الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

علي الهامش . .



 تبدو الكتابة عمليةُ استنزاف,ربما المتعة هي التي تجعلني أقرء,ولا أجد متعتي   ـ علي الأقلّ الآن ـ سوي في الشعر والروايات,بعيداً عن كتب الفلسفة الغارقة وكتب الفكر المُتعَبَه.
"المياة كلها بلونِ الغرق"يحدثنا سيوران .
تبدو اللغةُ متعبةٌ أكثر من اللزوم ,في لغةٍ كلغتنا الفضفاضه ,يضيعُ المعني ويكتسبُ المجازُ صورتهُ الزائفة!
.. .. .. ..

ربما للشاعرِ خصوصيةٌ ما,لذلك قالت العرب"المعني في بطنِ الشاعر".قرأتُ لأحدِ الفلاسفة أن الناقدين ينطلقونَ من خارجِ الشاعرِ إلي داخله,بينما الشعر من داخلِ الشاعرِ إلي خارجه/لغته ,ولهذا يفشلون في استكناهِ حقيقةَ ما يقصدُ الشاعر.

تتقاربُ الرواياتُ من الشعرِ في نفسِ المنطقة ,فلا تحكم علي أحدهم بظاهر اللفظ,فربما خانتهُ اللغة وربما خانكَ فهمك,وربما لا قيمةَ أصلاً لكلٍّ هذا,فاللغةُ فضفاضةٌ أكثر ن اللزوم .
.. .. .. ..

تبدو تلكَ الأسئلة ,كما الأسئلة الوجودية ساذجة وميته ولزجه ,لكنني لا أسألهُ لنفسي كسؤال وجودي,لا أعرفُ لماذا أسأل؟ . .

يبدو كلُّ شئٍ بلونٍ واحد كما قالَ سيوران ,أحياناً أتوقفُ أمامَ قطعةِ الشوكولا أو حتي مشروب ساخن ,وأسألُ نفسي :هل هو مهم أن أشرب..؟! في النهاية تنتهي الاجابات بأحد شيئين:
أن أقول أن هذا سيمتعني ولهذا فهو ذو فائدة كبيرة,إذ أن أهمية الحياة في أن يتمتع الإنسان,طالما أن متعته لن تؤذي!
أو أقول أن هذا مما لا يفيد,وكم وقفتُ أمام أشياءَ جميلة لأسئل هذا السؤال الحقير,وفي النهاية تختلف الإجابات!
.. .. .. ..

هل لكلٍّ الأسئلة إجابات..؟!
يبدو السؤالُ مقيتاً أيضاً ولستُ أنا سائلة,ولكن يبدو لي اللهُ كسؤالٍ بلا إجابة!
.. .. .. ..

هذا الشئُ الذي زادتْ بهِ اللغةُ ثقلاً والمجازُ وِسعاً"الحُبّ".تكلمَ الشعراءُ والأدباءُ والفلاسفة عن الحبّ وعن الأخلاق وعن القيم,وأسألُ نفسي الآن,هل لكلٍّ تلكَ الكتابات قيمة..؟!
.. .. .. ..

ماذا سيضيفُ ما أكتب الآن..؟!
بضعةَ أسئلة إلي خزانةِ الوجود,أو ربما ورقةً أسجلها في إحدي الورقاتِ الصغيرة التي جاءتني كهدية!
لماذا يكرهُ الإنسانُ حياتهُ وتضيقُ بهِ الحياة!
هل الحياةُ تحتملُ كل هذا.؟الحياةُ أصغرُ من أن تثقلها بكلِّ هذا الحزنِ العقيم.
(أعرفُ أنني أكذب,إذ أنني تنتابني حالاتُ الحزنِ كثيراً!)
.. .. .. ..

نبدو كسيرينِ ,ولا نحاولُ سوي أن نكونَ أحياءاً,ونفكرُ في العالم والإنسان والحبّ والحدود وأولادُ الزواني اللذينَ لا يجدونَ ملجئاً .
ربما الحياةُ لا تحتملُ كل هذا التفكير أيضاً.
.. .. .. ..
لماذا لا تأتي يا يوسف ,قلتَ أَنَّ المجازَ لا يعبرُ عنك!
نصحتكَ أن تأتي ,نتسكعُ يوماً في القاهرة ,نختفي في أزقةِ الحسين,ونجاورُ الحاكم بأمرِ الله,ولنترسمَ التاريخَ في أعطافنا,ولنغلق هواتفنا ولنرمِ أحزاننا خلفنا في فرح ,ولنغلقَ خزاناتنا,ولو ليومٍ واحد,فاللغةُ تشتهي أن تستريحَ من جرحنا لها في كلّ قصيدةٍ أو مقال.

تبدو اللغةُ كعجوزٍ ,في صحراءَ يتظللُ بشجرةٍ يافعة ,تنفخُ نايَ مجازها ,ويصير المعني كما صوتُ الناي,يسمعُ ولا يري ,يحسُّ ولا يمسك.يظلُّ غير مُنالٍ دوماً قريبٌ وبعيد ,فينا ولا نستطيع امتلاكه!

اللغةُ عاجزة ,وستظل اللغةُ تدخلكَ في متاهةٍ ما ,لا تستطيعُ الخوضَ فيها ولا الفكاك منها,ترغمك عليها وتريكَ عجزها في اختيالٍ مركبّ!.

هل من المنصفِ أن أرمي اللغةَ بالعجز..؟!ربما ليس منصفاً ربما نحنُ العاجزونَ عن إدراكها.

تعالْ يا صديقي ,لنتسكَّعَ ليومٍ واحد ,ولنشربَ قهوةً معتقة ,وحين يأتي دورنا لنذهب سنعودُ كما كنَّا ,وربما سأهديكَ كتاباً لنيتشه لتصرخَ معه"خراءُ هذا العالمِ هو طعامه!".



السبت، 7 يوليو 2012

أغنيةُ للموت..والأغنياء..!


أغنيةُ للموت..والأغنياء..!

رقصةٌ داخلية:
"...ونادي :
أيها الموتُ . . تعالي إليّ
لألا أموتَ
لأشعرَ أنِّي
أطيلُ الحياةَ . .
ويا قلبُ قل للعابرينَ :
ـ توقفوا !,
ماذا أردتم..؟! ,أو ما تريدونَ..؟! ـ
وقف معهم علي ناصيةٍ صغيرةٍ
و أعلمهم أنَّ ـ الحياةَ هي الموتْ
وأنَّ الموتَ حياةْ ـ ...."
..  ..  ..
وهما ينضبانِ علي رصيفِ الموتْ
كَقُبَّرتينِ ..يكفكفانِ الدَّمعَ
ويمسحانِ الجوعَ عن قلبيهما
وينحدرانِ وراءَ التِّلالِ
السماويةِ اللونْ!.
يقتلانِ حلميهما (البيتُ ,والسريرُ الطِّفلُ ,كسرةُ الخبزِ ,وقطعةُ الشوكولا)
ويدٌ تُخَبِّأُ بؤسَ عينيها
كما يُخَبِّأُ الليلُ الموتْ
وأخري تُسَبِّحُ فوقَ رأسِ أخيها
وتمسحُ عنها غبارَ الفَقرِ
المُقَدَّسْ !
تغنِّي وتبكيْ !:
" يا أولادَ الزِّناءِ تعالوا . .
يا حرافيش الأرضِ . .
ضموا أخي إلي صدرِ أمِّي القتيلة !
ولا تتركوني عاريةً من الموتْ"
و ألفُ قطعةٍ بالية ,
(ألفُ جسدٍ ممزقْ
ألفينِ من الأيادي التي تَفَحَّمَتْ
و أَخَرَينِ من القصبِ الذي امتصوهُ
و ألفٌ من الجماجمْ . .
كحبةِ كرزِ علي مكمنِ عاهرة...
ويا أولادَ الفاجرة . .
لا تتركوا قلبي يذوي !
فلتقتلوني لأحيا...!"


عبدالرحمن ناصر.
السبت.
7/7/2012م.
05:10ص.



الخميس، 5 يوليو 2012

رسالة إلي فاطمة...4


انبثاقه:
صباحُ النَرجَسِ يا فاطمة ,مضطرٌ أن أقدِّمَ اعتذاري في كُلِّ مره ,فلم يتراضَ الطرفانِ علي تدخلي ,بل أقحمني أحدهما دونَ الأخر.فسامحيني.
لم تردي علي أيٍّ من رسائلي الثلاثِ السابقاتْ .لكنني أتفهمُ موقفكِ .مرتْ أكثرُ من عشرةِ أيامْ علي رسالتي الأخيرةِ إليكِ ,ولم تردي ولم يَثُبِ الرَّفِيقُ إلي عقله!

                          *****
لن أَتحدثَ كثيراً عن حبهِ لكِ وعشقهِ مشمِشِكْ ,فأنتِ أدري بذلِكَ مِنِّي يا فَاطِمة . وأنَا أعلمُ تَمَامَ العِلمِ أَنَّكِ لن تُدخلي أحدهم قَلبَكْ مرةً أخري ,فلستِ أنتِ من يدخل مثلَ تلكَ العلاقة المتطرفة ليخرجَ منها!.

فاطمة!لم يعدْ للرفيقِ مثوً غيرَ سريرهِ الضيِّقِ ومكتبتهِ الدافئة ,وأَنَا ورسائلنا التي نتبادلها!.
و هاكِ بعضاً منها:
قال:
"أَتعلمُ يا رفيقَ العُمرِ ما معني أَنْ يزولَ الأمانُ من حياتِكْ ,إِنَّنِي اشعرُ بالرغبةِ بالبكاءِ المريرِ لأجلِ هذا ,أنا أشعرُ بالخوفِ والقشعريرة! أبكي كثيراً ولا ينفعني البكاءْ ,أحياناً أتوقفُ عنه ,تعبتُ من هذا الطقسْ ,أصبحتُ أبكي والدموعُ تسيلُ علي خديّ دونَ شعورٍ وكأنني أتمثَّلُ قول ابن الرومي
"رحمهُ الله وغفر له":
بكاؤكما يشفِي وإن كَانَ لا يُجدي*** فَجُودَا فقدْ أودي نَظِيركُمَا عِندِي!.
وخَتَمَ رسالته بثلاثِ كلماتٍ كليلاتْ"إنني أحترقُ يا رَفِيقْ".
لن أقول لكِ أنني استطعتُ أن أردَّ عليه ,صدقاً يا فاطمة لقد قتلني.
لقد بكيتُ لأجلِ هذهِ الرسالة!.
يا فاطمة ,أقولُ لَكِ بصراحة , لا أتفهمُ كلّ هذا التأخير ,وهذا حبيبكِ معلقٌ بين السماءِ والأرضٍ يتعلقُ بريشةِ أملٍ لا تجئ!.
هلا قطعتِ الشَّكَّ باليَقِينْ ,لو انكِ أخذتِ قراراً لأرحتِ واستَرَحتِ.
بعثَ رسالةً أخري يحكي لي يومَ أَن تقابلتما ,يقول:
" لم أَكُنْ قد تحدثُتُ إليها قبل هذا اليومْ الدافئ ,ولم أكنْ قد رأيتها إلا لَمَماً ,كانتْ تثيرُ جنوني كلما مرَّتْ في مراتها العديدات التي رأيتها فيها .كُنتُ يافعاً ولا أعلمُ عن الحُبٍّ سوي أشعارَ عنترةَ وقيسُ ليلي وربما بعضاً من أشعارِ كثيرِ عزة!.

هذا اليومْ شعرتُ بشئٍ مختلفْ ,فنحنُ معاً في نفسِ المكانْ ,نعم اكتَظَّ المكانُ بالأهلِ والأصدقاءِ والهدايا ,حيثُ كان عيدُ الميلادْ ,لكنني كنتُ أشعرُ أنني وحدي معها.

طالت ليلتنا وافترقَ الجميعْ ,وهكذا الحياةُ لا تُجَمِّعُ إلا بقدرِ ما تُفَرِّقْ ,غير أنني الوحيدُ في تلكَ الليلة الذي انطوي علي سرٍّ مقدسْ ,هذا السِّرُ هو الذي لا يسعهُ مكانْ..هذا السِّرُ هو الحب.
أتدري ما معني الحُبِّ يا رفيقي..؟!"
أتبعَ هذهِ الرسالةَ بأخري ,يقولُ فيها:

"مُلتَفِتٌ لا يَصِلْ".
حاولتُ رداً يا فاطمة ,عَلِّي أهونُ عليهِ شيئاً ولو قليلاً ,فقلت:

"وما الذي يمنعهُ من الوصولِ والاختراقْ".
فردَّ برسالةٍ عبر هاتفهِ يقول:

"كثرةُ الحُجُبِ وتَلَبُّدُ الأسرارِ بغيومٍ علي غيوم ,طبقاتٍ فوقَ طبقات!".

" علي الطريقِ حتي تُكشَفُ الحُجُبُ وتستبينَ الأنوار وتنبلجَ الأسرارُ خبزاً مقدساً".

"وما الطريقُ وما الحُجُبْ , لو تبينتَ لزالتِ الحجبُ عن الحجبِ ولعلمتَ أَنَّ الطريقَ هُوَ أَوَّلُ حِجَاب!".

"وماذا إن وصلتَ وكَشَفتَ الستائِر".

"أكونُ قد فنيت ,وطالما فنيتُ فقدْ بَقِيتْ ".

"وما البقاءُ وما الفناء ,وما الطريقُ وما السَّفر؟!".

 "البَقَاءُ هو الفناءُ ,والفَنَاءُ هو البقاءْ ,فإن فنيتُ عنها فنيتُ فيها وبقيتُ فِيّ ,وإن بقيتُ فيها فنيتُ عَنِّي وبقيتُ فِيّ ,

و اَمَّا الطريقُ فهو أَوَّلُ الحُجُبِ وآخرها ,تَظَلُّ فيهِ مختاراً ـ وفي حالتي ـ لا تَصِلْ ,

وأَمَّا السفرُ فهو فناءُ الحَبِيبِ عن دارهِ و طُلَلِه و بقاءُ المُحِبِّ في حالَةُ وجدةٍ و مواجدِه ".

صدقاً لم أستَطِع أن أسأَلَ أكثر أو أتناقشَ في شئ ,كُنتُ أشعُرُ بجلالَةٍ تجاهه لا اعرفُ مصدرها ,وتَبَيَّنَ كما لم أرهُ من قبلْ.
وَكَأَنَّ شيئاً ما متجاوزاً حَلَّ فيه.
بعثَ برسالةٍ أخري يقولُ فيها :

"..وَمِن عجبٍ أَنَّ الدموعَ علي الروابي
والرفيقةُ كالسفينة في عبابي!.."

هكذا قالَ يا فاطمةُ فتدَبَّرِيْ.





عبدالرحمن ناصر.
الثلاثاء.
3/7/2012م.
09:06ص.


رسالة إلي فاطمة...3. رتوشٌ علي لوحةِ ذكرياتْ.



عندما تتفتحُ الجلنار
أراكِ تشرقينَ مع الفجرْ
أري سَهَرَ الليالي الحزينة
أري مطري الذي لم ينهمر علي غِصنِ زيتوني
أري النَّديْ ,
معلقاً علي ساقِ وردةٍ
كقصيدةٍ من المعلقاتِ السبعْ.
(2)
عندما يغلِقُ الفُقراءُ أبوابهم
مِنَ القَهرِ
ينهمرونَ كالسيلْ
إلي المرافي القديمة
يمثلونَ مسرحيةً عذراءْ
أري عُمري ..ينهمرُ فيها موجعاً . .
والموتْ ,
يُشرعُ ضائِعاً
علي الطرقاتْ
ونوافِذُ النَّوارِسُ لا تستقبِلنِيْ.
(3)
عندَمَا تغلِقينَ البَحرَ ليلاً
تَغرقُ السفنْ
علي ساحِلِ المنافِي
وتكتُمُ أجراسها
وتقتُلُ حراسها الشعراءْ
عندما توحِّدِيْنَ نافِذَةَ الحُلمِ
يَتَوَحَّدُ القَمَرْ
يَضيعُ في نجومِ السماءْ
وَتُطفأُ الأجراسْ
فلا حِضنَ يستَقبِلُ المَنْفِيّ..

                   *****
يا فاطمة ,هكذا غَنَّي حبيبكْ .طلب مني أن أبعثَ إليكِ نَصّه ,وقالَ أنكِ تحبينَ ما يكتُبُ دوماً.
حكي لي عن ليلةِ أمسْ حين بعثتِ رسالةً إليهِ تطلبينَ إليهِ أن يضبُطَ منبِّهَاً ليستيقِظَ علي وقتِ امتحانِهِ وأنَّكِ أنهيتِ الرسالةَ بكلمتينْ وحرفِ جَرّ"تُصبِحْ علي خيرْ"..وقالَ أنهُ بكي طويلاً حين قرء الرسالة.قالَ لي"شعرتُ بالعبثْ ,أنني لا أساوي شئ ,كأنني ورقةُ شجرٍ سقطتْ في الخريفْ".
قالَ لي أَنَّكِ حين كنتِ تغضبينَ منهُ كنتِ تتركينهُ بلا سلامْ ,لا تُتركينَ لهُ رسالة ,أما هذهِ المرة فأنتِ متعبةٌ ومنهكة ,ليس فقط الغضب ما يحرككْ ,إنما الحزنُ والبكاءْ ,أثقلتكِ أفكارهُ و مواجده ,أثقلكِ تحررهُ من كُلِّ شئْ ,وتحررهُ من التحررِ ذاته.
قالَ أَنَّكِ كنتِ تحاولينَ تحليلَ مواقفهُ وحياته ,لكنكِ اعترفتِ له بالفشل ذاتَ ليلةٍ وأنتِ تبكينْ ,قال أيضاً أنهُ لم يكن يقصدُ أيَّ إيذاءٍ لكِ ,وكانَ يقولْ"كيفَ لي أن أغضبها وهي ملاكي الذي نزلَ علي من السماءْ"..لكنهُ يعترفُ لي أنهُ أرعنْ ,قال لي"مشكلتي الكبرى في رعونتي".
قال أيضاً أَنَّكِ كُنتِ تباركينهُ في كل ليلة ,تهاتفينهُ علي عجلٍ عندما تَدُقُّ الثانيةَ عشر ,وبكي كثيراً حين أتتهُ تلك  الرسالة بدلَ صوتِكِ الدافئْ.
يا فاطمة ,أرجو منكِ أن تأخذي وقتَاً كافياً لتستريحي ,فأنا أعلمُ أن لا جَفنَ يرقَأُ لَكِ إلا حِينَ يرقَأُ جفنه ,وأرجو ألا يدفعني كي أكتُبَ رسائِلَ أخري ,لكنهُ مقهورْ ,حسبَ تعبيره.
عبدالرحمن ناصر.
26/6/2012م.
12:27م.

الأربعاء، 20 يونيو 2012

رسالة إلي فاطمة2...!



فاطمة , حاولتُ مراراً أن أثنيهُ عن أن يقحمني في هذا الأمرْ ,وأعلمُ أنكِ خَجلةٌ منيْ ,لكن سامحيني . . لم تَرُدِّي علي رسالتي السابقة بعد ,واليوم لولا أنهُ طلبَ إِلَيَّ ذلكَ لما أرسلتُ هذهِ الرسالة..ربما تعتبرينني متطفلاً أو دخيلاً ,لكنني علي ثقةٍ أنني أعيشُ داخلهُ ,كما يعيشُ داخلي هو مذْ ظهرتْ سمائي علي هذا العالمْ.
                               *****

أتعرفين ,طبقاً لبعضِ النظرياتْ ,فإِنَّ كُلَّ إنسانٍ حينَ يطلُّ علي هذهِ الحياةِ فإِنَّ لهُ شمساً تغيبُ بموتهِ .أقصد بانطلاقهِ إلي المطلقِ الأبديّ ,الذي ليس لهُ بدءٌ ولا لهُ منتهي.بانطلاقِهِ كجدولٍ إلي النّهرْ .

كانَ يحاولُ أن يناقشني في نظرياتِ التناسخُ ووحدةِ الوجودْ ,هذا الأمرُ قائِمٌ عندهُ منذُ سنواتْ ,مذ تأثرَ بمواكِبِ جبرانَ ونبيهِ الراقي!.

قالَ لي ـ وهو يبكي ـ أنهُ لم يكنْ يقصدُ شيئاً ,ويحكي أَنَّ كُلَّ إنسانٍ لهُ ما يميزهُ ويشقيه ,وما قد يتقابلُ عندَ أحدهم لا يتعارفُ عند الآخر ,وما قد ترتضيهِ الغزالُ لا ترتضيهِ الفراش!.

وحكي عن تطورنا في الحياةِ ومجاريها المتشعبةِ ,وطرقها الواعراتْ ,وقالَ أَنَّه طبيعيٌ أن ما يعيشهُ الإنسانُ وهو فردٌ ,غير ما يعيشهُ وهو إنسانٌ كاملْ.
*أظنكِ تفهمينَ ما معني الإنسانُ الكامِلِ عنده!.

حكي لي أنهُ أصبحَ يُحِبُّ ما تحبينْ ,ماندي موور ,جين أوستنْ ,آينشتاينْ والنسبية! ,قالَ أَنَّ نظرتهُ تغيرتْ كثيراً لأشياءُ كثيرة ,وقالَ أنكما غزلتما معارفكما معاً واستكشفتما كثيراً من النظرياتِ والمقولاتِ معاً ,وقالَ أنكما تناقشتما عنْ كُلِّ شئٍ في هذهِ الحياة ,الجنسُ والحُبّ ,العلمُ والعقلْ ,والدينُ والقلبْ ,الإلحادُ والتصوفْ ,الآباءُ والأبناءْ ,الحريةْ ..


قالَ أَنَّكِ أيضاً تغيرتِ كثيراً عن ذي قبلْ ,قال أَنكما ولدتما معاً ميلاداً جديداً علي رصيفِ الأمنياتِ تحملانِ أحلامكما خبزاً .

حكي أَنَّكِ تعبتِ من أشياء كثيرة ,ربما تعتبرينها أقحمتْ علي حياتكْ , أو ربما تريدينَ أن تقننيها أو ترتبيها ,ربما تتخلين عن بعضها أو تتركينها جميعاً ,لكن يا فاطمة هذا هو الحُبّ.

قالَ أنكما لم تتشاجرا كثيراً ,وكانَ كُلُّ شئٍ بالهدوءِ والحُبّ ,وقالَ أنكما متفاهمانِ كثيراً ومختلفانِ كثيراً .أذكرُ انهُ كانَ ينصحني في موضوعٍ خاصٍ بي ,كانَ يقولُ لي"يا رفيقي ,ليسَ الحُبُّ أن تجدَ من تشبهكْ ,ولا أن تصيرا متشابهينْ ,الحُبُّ أَنْ تُحِبَّ من اختارتهُ روحكَ لتكملها ,من اختارتها لتخبرها عن السِّرِ المُقدسِ في ليالي الحُبّ ,أنْ تطعمها من الخبزِ المقدسْ في ليالي الرومانسية!الحُبُّ أن تتصلا فتنفصلا ,فيكونُ اتصالكما انفصالاً ,وانفصالكما اتصالاً,أن تصيرا إنساناً مكتملاً ذا صفتينْ ,غيرُ هذا لا يكونُ حُبَّا".

أنا أعلمُ عنهُ أنهُ يحاولُ قدرَ ما يستطيع أن يطبقَ كلَّ نظرياتهِ وما يؤمِنُ بهِ علي نفسه وأعلمُ أنكِ كذلكْ.

حكي لي حينَ طلبتِ أن تستريحي ,وقالَ"هل يستريحُ البشرُ من كونهِ إنساناً كاملاً ,هل تُحِبَّ أن تستريحَ من أن يسألَ عليكَ أحدهم ليلَ نهارْ ,يتأرقُ لأرقِكْ ويخافُ لأجلِ ضعفِكَ أو قلقكْ؟!".
يا فاطمة حكي قائلاً:
   حينَ أخبرتني بقرارها هذا ,ذهلتْ ,وحينَ سألتُ عن مدةِ الاستراحة ,لم تجبْ ,وعندما ألححتُ في السؤالِ أجابتْ"لا أعرفْ".حينها سكتتُ وكتمتُ حزني في الأعماقْ ,هكذا علمتني الحياة ,أن أحزنَ في صمتْ وأبكي في جلالة ,التحفتُ بغطائي ,وتكومتُ علي سريريْ كعادتي حين أنتحبْ ,غيرَ أَنَّ بكائي هذهِ المرة خرجَ صامتاً ,وكأنَّهُ طقسٌ دينِيٌّ قديم لشعبٍ من شعوبِ آسيا القديمة!.
يا فاطمة ,لقدْ بكي وهو يحادثني ,شعرتُ بخنجرٍ في حلقهِ ,وهو يشهقْ ,كنتُ أشعرُ أَنَّهُ يودِّعُ الحياةْ.
يا فاطمة ,صدقيني ,إِنَّهُ يحبُّكِ حباً ما رأيتهُ من قبلْ ,يحُبُّكِ حباً طقوسياً ,يُحِبُّكِ بتَدَيُّنْ ,بنظرةِ إلهيةٍ متجاوزة.
هكذا قالَ يا صديقتي النقية!.




عبد الرحمن ناصر.
20/6/2012م.
08:22م.

رسالة إلي فاطمة...!


قُصاصة :
صدقيني يا فاطمة ,حاولتُ كثيراً أن أقنعهُ ألا أتدخلْ ,لكنهُ رفضَ وقال أنني أقربُ إنسانٍ إليهْ . بالمناسبة هو أقربُ إنسانٍ إليّ ,إنهُ يعيشُ داخليْ.
لم أستطع أن أكلمكِ,أو أقابلكِ لنتناقشَ حولَ تلكَ الأمور ,لذلك سأحاوِلُ ألا اكتبَ كلاماً معقداً أو صعباً ,أحاولُ أن أكتب بسلاسةٍ وسهولة.لِأصلَ إلي مبتغاي !.
                                          
                                               *****
قالَ أنهُ عندما حدثتْ تلكَ العوادي ,مَرَّ بطريقٍ حالكْ , يمشي وحيداً ,طريق لا بياضَ فيهِ سوي أسنانهُ ,وقالَ أنهُ تذكر مقولة التشي جيفارا "إن الطريقَ مظلمٌ وحالك ,فإذا لم تحترقْ أنتَ و أنا فمن سينيرُ الطريقْ؟!".وقالَ أَنَّ الحياة تعَلِّمُ الناسَ وأن مواقفها ومشاكلها ,تجعلهم أكثرُ قدرةً علي الحياة .فكأن الحياة تقومُ علي الصعابْ,وقال أنه بينما يفكرُ في هذهِ الأمور تذكر قولَ المولي الكريم"لقد خلقنا الإنسانَ في كبد".

قال أنهُ يبدو حزيناً دوماً ,وكأنهُ يحملُ حزن الحياةِ جميعها في قلبه ,وكأنَّ جبال الدنيا تتثاقلُ علي كتفيه ,ولكنني أرمي إليكِ بمعلومةٍ عنه ,إنهُ يحزنُ كما العجائز ,ويفرحُ كما الأطفال ,أظنكِ علي علمٍ بهذا.

حدثني كثيراً أنهُ حين تحدثُ لهُ بعضُ المشكلاتِ يري جميع المشكلاتْ ,مشكلتهُ يا فاطمة أنهُ لا يحلُ مشكلاتهُ مشكلةً مشكلة ,إنهُ يري الكونَ كلهُ بمشكلاتهِ حينما يقعُ في مشكلة.

يا فاطمة ,تكمنُ مشكلتهُ الأساسية في الماضي ,الماضي صعبُ المراس ,كلما حاولَ أن ينساه ,أن يتعاملَ معهُ ,لم يستطع ,كان يجدهُ في كلِّ مناسبة حزينةٍ كانتْ أو سعيدة ,يطلُ عليهِ كأنيابِ وحشٍ وجدَ فريسته.أتعرفين ,مشكلتهُ أنهُ يستسلمَ للحزنْ ,الكثيرُ من أصدقائنا قالوا له هذه الكلمة"يبدو انكَ تستمتعُ بالحزنْ ,يبدو أنهُ يشعركَ أنك كالمسيح!" . . لكن صدقيني ليس الأمرُ بهذهِ السطحية ,إنهم لا يعرفونهُ جيداً ,إنهُ عندما يفرح ,يظلُّ يضحكُ كالأطفال! يضحكُ ملأ روحهِ وعمره ,أذكرُ أنهُ كان عندما يقابلني بعدما يكونُ معك ,أذكرُ أنهُ كان يتنفسُ تنفسَ طِفلٍ فازَ بلعبةٍ كانَ يرومها ويقولُ لي"هذهِ البديعة تشعرني بالجزل!أتعرفُ ما معني الجزل؟"..

مشكلةُ الماضي متجذرةٌ في ذاكرته ,لا يستطيعُ اقتلاعَ حزنهِ المكبوتْ ,وكأنهُ جرحُ يستيقظُ كُلَّ لحظة دون أن يسيلَ منهُ الدم ,لأن الدمَ هذهِ المرة يكونُ عبرَ الروح.

حكي لي كثيراً أنَّ لهُ مشكلاتُ مع والده , بل"صراعْ".والدهُ كما تعلمينَ شخصٌ صعب ,قالَ لي ذاتَ مرة أنهُ لم ينعم بطفولةٍ كما الأطفالْ !,كان دوماً هنالِكَ ما يتطلعُ إليهِ فلا يدركه ,ليسَ لأنهُ ليس كفئاً ,بل لأنَّ أباهُ ليس موافقْ ,أو لأنَّ الأمرَ فقطْ لا يروقه .قالَ لي كلمةً جرحتني ,ونحتت ظلاماً في قلبي ,قالَ"والدي أحياناً يشعرني أنَّنِي عبدٌ أو لقيط!".أتعلمينَ مدي الظلاميةِ في هذهِ الكلماتِ الواهناتْ.أتدركينَ معني أن تخرجَ هذهِ الكلماتِ من إنسانْ؟!,لكنهُ دوماً يقولُ لي"هو والدي ,أختلفُ معهُ ,ونتصارعُ أحياناً ,لكنهُ والدي رغم كلِّ شئ".

أتعرفينَ أنهُ يعشقُ الأصدقاء ,وهم يحبونهُ جداً ,أتعرفينَ لماذا؟لأنهُ يشعرُ بهم ,  حينما أكونُ حزيناً يا فاطمة ,أشعرُ بالقوة حين يكونُ جانبي ,لأنني أعلمُ انهُ رجلْ ,رجلٌ بمعني الكلمة سيقفُ معي وقفةَ رجالْ .أَنَّ هناكَ من يساعدني ويمدُّ لي يده برجولة.

قلبهُ يا فاطمة ,كما يحبُّ بإخلاص ,يشعرُ بالمشكلاتِ كلها بإخلاص ,لربما حين يحزنُ صديق لأمرٍ تعرض له ,يحزنُ هو بشدةٍ عليه وكأنهُ هم من وقع له ذاك الأمرْ.بعدما يُشْعِرُ صديقهُ أنَّ الأمرَ هينٌ وسهلْ.

يا فاطمة ,إنَّ كُلَّ ما يُرِيدُ منكِ أن تقفي جانبه ,أن تكونِ معهُ دوماً ,كما كنتِ .تعرفين قال لي مراراً أنَّكِ سببُ سعادتهِ في تلكَ الحياة ,وحينَ يكونُ حزيناً وأحاولُ أن افهم منهُ ما حَزَبَهُ"وأنتِ تعرفين أنه حين يحزن يحزنُ في صمتٍ عميقْ ,فلا يتكلَّمْ" أقول حين أريدُ أن أفهم منهُ ما أحزنهُ فأسالُ"كيفَ حالُ حبيبتك"فيردُ مبتسماً ابتسامةً أشعرُ أنها من عميقِ روحه"إنها سلوايَ الوحيدة في تلكَ الدنيا ,لولا تلك الفراشةُ لما كانَ لحياتي معني".

إِنَّهُ يري الكونَ ينحدرْ ,هو يشعرُ بمدي مشكلةِ الكونْ ,يشعرُ بالفقرِ والظلمِ والقهر,يشعرُ بالشعوبِ التي تُبادُ لأجلِ حفنةِ مالْ ,أو لأجلِ رجلٍ أرعنْ يريدُ تكملةَ شئٍ قد لا يفيد , بل لأنهُ شخصٌ يحبُّ الخوفَ والظلمَ في عيونِ الناس.

يقولُ دوماً "وما فائدةُ الإنسانِ إن فرغوهِ من معناه ,إن حولوهُ إلي سلعة .ما فائدةُ الكلمة ـ إنسان ـ إن لم تكنْ ذاتُ معني ,وما فائدةُ الإنسانِ إن لم يتحولْ إلي فكرةٍ ومعني ,ما فائدتهُ إن صارَ لحماً ودماً ,يعيشُ لأجلِ جسدهِ ويموتُ لأجلِ لا شئ! . . باختصار ما يكونُ التشي جيفارا إن لم يقتلْ بتلكَ البشاعة"..

يا فاطمة ,إِنَّ حياتهُ"وأنتِ تعرفينَ قبلي"تتمركزُ حولَ كلمتينْ هما الحُبُّ والحرية ,فإذا لم يتحرَّرِ الإنسانُ ليحِبَّ كما يريدُ ويهوي ,فما فائدته ,وإذا لم يساعدهُ حُبُّهُ أن يعيشَ بحريةٍ فما جدوي تلكَ الحياة..؟!,
باختصارْ أنا أريدُ أن أحيا بحبٍّ وحريةٍ يا فاطمة ,أتدركينَ ما معني أن يعيشَ إنسانٌ لأجلِ كلمتينِ وحُلمْ..؟!.
هكذا قالْ.

عبد الرحمن ناصر.
0/6/2012م.
02:44ص.