الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

نَبتُ الأرضِ وابنُ السماء..الفَصْلُ الأَوَّل:الخَلقُ والتَّطُوُّر...2..



إِزدِوَاجِيَّة العَالَمْ الحَيّ:
يَتَسَائَلُ بِيجُوفِيتش"هل نحن قادرون الآن وفي المستقبل على إنتاج الحياة؟ الجواب: نعم، إذا استطعنا أن نفهم الحياة، فهل نستطيع؟ إن علم «البيولوجيا» ليس علمًا عن جوهر الحياة، إنما هو علم يتعلق بظواهر الحياة، بالحياة كموضوع، كمُنتج".
يَضَعُ علي المُفكرين الماديين أَمَامَ سُؤالٍ ,سَأَلَهُ
أندريه جورج"عام1950م,لعلماء البيلوجيا والأطباء"
ما هي الحياة؟".وماذا كانت الإجابات يجيب علي" وكانت جميع الإجابات التي تلقاها حذرة وغير محددة. ولنأخذ في ما يلي إجابة كل من «بيير لابان» و«جان روستاند» كنموذجين نمطيين: «يظل السر كاملاً، فنقص معلوماتنا تجعل كل تفسير للحياة أقل وضوحًا من معرفتنا الغريزية بها»[1]. «حتى الآن لا نعرف على وجه التحديد ماهية الحياة. نحن لا نستطيع حتى أن نقدم تعريفًا كاملاً دقيقًا لظاهرة الحياة" .
يستشهد بيجوفيتش بقول أندريه لوف,وهو عالم أحياء  فرنسي  حاصل على جائزة نوبل سنة 1965، والمشهور بأعماله في الآليات الجينية للفيروسات والبكتيريا,قال أندريه"يمكن تعريف الحياة باعتبارها كيفية، أو مظهرًا، أو حالة كائن حي، والكائن الحي نظام مستقل يتكون من أبنية ووظائف يعتمد بعضها على بعض وهي قادرة على التوالد... وقد قيل دائمًا إن الفيروس هو الرابطة بين المواد العضوية والمادة الحية. وفي الحقيقة، لا وجود للمادة الحية. فالخلية تتكون من عناصر: البروتين، والإنزيم، والحامض النووي، وهذه العناصر ليست عناصر حية، الكائن العضوي هو الحي، وهذا الكائن العضوي، هو أكثر من مجموع أجزائه. لقد نجحنا في تخليق مركب من أحماض نووية فيروسية، وهذا في حد ذاته لا يعطينا الحق أن نتحدث عن تركيبة حياة، لأنه في جميع هذه التجارب أُعير إلى الفيروس عنصر، وهو عنصر جيني خاص بعملية التنويه «Nucletide».. وأحيانًا تنبثق الحياة تلقائيًا من حيث لا نحتسب... من السهل علينا إنتاج بعض أجزاء البروتين أو الحامض النووي، ولكن حتى الآن لم يصبح من الممكن بعدُ تخليق كائن حي... توليد بكتيريا واحدة ـ إن هذا لم يصبح بعد في إمكاننا الوصول إليه".
يُقَرِّر بيجوفيتش أن الحياة معجزة أكثر منها ظاهره ,ويمضي في بسط أمثلة ,بالعينِ والمُخِ,وغيرها من أعضاء الإنسان,ويدلل علي تلك المعجزة بالدلائل العلمية.
ويمضي مرةً أخري في طريقٍ أخر لسردِ المعجزات,فبعدَ العَينِ والمُخِّ ,انطلقَ نَحوَ الطُيُورِ والنَّمْلْ.
ثمّ يسأَلْ بَعدَ أَنْ يُقَرِّر" هذه الأمثلة السابقة أخذت من أول كتاب دراسي في علم الأحياء. هذه المعجزات الحقيقية في الطبيعة يفسرها الدين باعتبارها أفعالاً للعقل الأسمى (الله سبحانه وتعالى). ويمكن اختصار جميع التفسيرات العلمية في هذا المجال بأنها معجزات خُلقت بذاتها ـ أليست هذه أكبر خرافة غزت عقل الإنسان؟ أن تطلب من شخص ما أن يتقبل عقله أن شيئًا على درجة من الكمال والتعقيد كعين الإنسان أو عقله قد وُجد بمحض الصدفة، يشبه أن تطلب من شخص أن يقبل بأن الأساطير الإغريقية حقائق واقعة. دعنا نلخص الموقف بكلمات من الفيلسوف الإسلامي العظيم «أبو حامد محمد الغزالي»: إن جميع المعجزات طبيعية، وإن الطبيعة كلها معجزة".
يضيف بيجُوفِيتش بَعدَ تَجَارِبْ قَامَ بِهَا عُلَمَاءُ لحساب كم يلزم   لخلق بالصدفه جزئ واحد من البروتين ,وتجارب أخري .ثم يضيف قولا للعالم الروسي"بلاندين"قوله" لو أن مليون معمل على الأرض عملت لبضعة ملايين من السنين في تركيب العناصر الكيميائية، فإن احتمال خلق حياة في أنبوبة اختبار ستكون شيئًا نادرًا. وطبقًا لحساب «هولدن» Holden، فإن الفرصة هي (1 إلى 1310)".
بعدَ كُلِّ تِلكَ الدَلائِلْ ,يقول علي عزت"إن ضيق أفق الإنسان الحديث يتجلى، أكثر ما يكون، في اعتقاده بأنه لا يرى أمامه لغزًا، كأن حكمته هي مجموع علمه وجهله معًا. إنه جهل، ولكن الإنسان غير واع به، حتى إنه يتقبله باعتباره معرفة، في مواجهة أعظم لغز يتصرف بعنجهية وغرور، حتى إنه لا يرى المشكلة. وفي هذا يتجلى الحجم الحقيقي لجهل الإنسان وتعصبه".
                          *****
انطلاقاً مِنْ كُلِّ هَذا ,يخرج بيجوفيتش بنتيجه لخصت الكثير؛حيثُ يَقُولْ "من مهام الدين والفن والفلسفة توجيه نظر الإنسان إلى التساؤلات والألغاز والأسرار. وقد يؤدي هذا أحيانًا إلى معرفة ما، ولكن في أغلب الأحيان يؤدي إلى وعي بجهلنا، أو إلى تحويل جهلنا الذي لا نشعر به إلى جهل نعرف أنه جهل. وهذا هو الخط الفاصل بين الجاهل والحكيم. وأحيانًا يكون كلاهما على معرفة قليلة ببعض المسائل، إلا أن الجاهل ـ بعكس الحكيم ـ يأخذ جهله على أنه معرفة ويتصرف بناء على ذلك".
" إننا لا نستطيع تفسير الحياة بالوسائل العلمية فقط، لأن الحياة معجزة وظاهرة معًا، والإعجاب والدهشة هما أعظم شكل من أشكال فهمنا للحياة".
مَعنَي الفَلسَفَة الإِنسَانِيَّة:
ينطلق علي مما قال عنهُ الماديونَ "السعي من أجل المتعه,والهرب من الأَلَمْ"ويُعَقِّب بِقَولِ كَامُو" الإنسان حيوان يرفض أن يكون كذلك".
يعود علي ليفرق بين الإِنسَانِ والحَيَوَانْ ,فالحَيَوَانُ دَومَاً بَرِئٌ بِدونِ خَطَايَا ,وَمُحَايِدٌ من النَّاحِيَةِ الأَخلاقِيَّة ,كَأَنَّهُ شَئٌ مِنَ الأَشْيَاء..أَمَا الإنسَانْ,فلا يستطيعُ أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانَاً بَرِيئَاً"لَمْ يَعُدْ مُمْكِنَاً للإِنسَانِ أَنْ يَختَارَ بَينَ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانَاً أَو إِنساناً,إِنما اختيَارُهُ ,أَنْ يَكُونَ إِنسَانَاً أَوْ لا يَكُونَ إِنسَانَاً".
وَيُقَرِّر" لو كان الإنسان ببساطة أكثر الحيوانات كمالاً، لكانت حياته بسيطة خالية من الأسرار. ولكنه ليس كذلك، إنه «دودة الأرض وابن السماء»، ولكونه مخلوقًا فهو كائن مشوش. ولذلك، فإن «التناغم» الذي ذهب إليه الفيلسوف اليوناني «إقليدس» غير ممكن. وليست حقيقتنا الأصلية وحدها قائمة على فكرة الخلق، ولكن أيضًا خطايانا وآثامنا".
إِنَّ قَضِيَةَ الخَلقِ عِندَ عَلِي هِيَ قَضِيَّةُ الحُرِّيَّة الإنسانِيَّة ,فالإِنسَانُ حِينَ يَكُونُ حُرَّاً فَإِنَّهُ يكونُ قد اعتَرَفَ ضِمْنَاً بِالله.فاللهُ وَحْدُهُ هُوَ القَادِرُ عَلَي خَلقِ إِنسانٌ حُرّ.
" فالحرية لا يمكن أن توجد إلا بفعل الخلق . الحرية ليست نتيجة ولا إنتاجًا للتطور، فالحرية والإنتاج فكرتان متعارضتان. إن الله لا ينتج ولا يشيد، إن الله يخلق".
وَحَيثُ أَنَّ الإِخْتِيَارَ يَتَرَتَّبُ َلَي الحُرِّيَّة,يَقُولُ علي" هذه القدرة على الاختيار بصرف النظر عن النتيجة، هي أعلى شكل من أشكال الوجود الممكن في هذا الكون".
                              *****
يفرق بيجوفيتش بين الإِنسانْ وَعَلمُ النَّفس" الإنسان يملك روحًا، ولكن علم النفس ليس علمًا معنيًا بالروح، فلا يمكن أن يوجد علم عن الروح".
هُناكَ فرقٌ بينَ الرُوحِ والنَّفسْ ,وَعِلمُ النَّفسِ عِلمُ الظَّوَاهِرِ الخَارِجِيَّة لإِنسَانْ ,لا عِلم روحَانِي..
وبهَذَا لا فَرقَ بَينَ عِلمِ النَّفسِ الإِنسَانِيّ وَالحَيَوَانِيّ.
                         *****
يَتَنَاوَلْ عَلِيْ فِكْرَة المُسَاوَاة والإِخَاء ,فَيُقَرِّرُ أَنَّهُمَا مِنْ دُونِ الدِينِ والوازِعِ الرُّوحِيِّ بِلا قِيمَةَ,إِذ"  إذا تجاهلنا القيمة الروحية ـ وهي حقيقة ذات صبغة دينية ـ يتلاشى الأساس الحقيقي الوحيد للمساواة الإنسانية. وتبدو المساواة، حينئذ، مجرد عبارة بدون أساس ولا مضمون، وسرعان ما تتراجع وهي تواجه الوقائع الدالة على اللامساواة بين الناس، أو الرغبة الطبيعية للإنسان أن يسيطر وأن يطيع، ومن ثم لا يكون مساويًا للآخر. فطالما حذفنا المدخل الديني من حسابنا، سرعان ما يمتلئ المكان بأشكال من اللامساواة: عرقيًا وقوميًا واجتماعيًا وسياسيًا".
وينطَلِقْ مِن هَذَا إِلَي فِكرَة أَنَّ المُسَاوَاة مُمكِنَةٌ فَقَطْ إِذا كان الإنسَانُ مَخلُوقَاً لِله,وكما قال أن الإنسانَ يَكُونُ حُرَّاً إِذا كَانَ مخلوقَاً لِله ,فإنهُ يكونُ عندَهُ مُسَاوَاة إِذا كَانَ الله تَعَالَي قَدْ خَلَقَهْ.
يتسائَلُ عَلِي"لماذا نصادف كثرة من المعوقين حول المساجد والكنائس والمعابد التي نذهب إليها؟ لأن بيوت الله وحدها تفتح أبوابها لأولئك الذين ليس لديهم ما يعرضونه أو يبرهنون عليه، أولئك الفقراء في المال والصحة، أولئك الذين استبعدوا من موائد الاحتفالات في هذا العالم، حيث يُدعى الشخص لاسمه أو حسبه ونسبه أو موهبته أو علمه. إن المريض وغير المتعلم يُغلق أمامه باب المصنع أيضًا بينما يدخل المتعلم صحيح البدن. أما في بيت الله فإن الفقير والأعمى يمكن أن يقفا جنبًا إلى جنب مع ملك أو نبيل وقد يكونا عند الله أفضل منهما  إن أهم معنى حضاري وإنساني لأماكن العبادة يكمن في هذا البرهان المتكرر للمساواة".
من هُنا ,ينطلقُ إلي المَعنَي والمَبْدَء الأساسي لِلفَنْ,إِذ أَنَّ وَظِيفَةَ الفَنِّ كَمَا يُقَرِّرْ"المعنى النهائي للفن أن يكتشف الخصوصية الإنسانية في الناس الذين أساءت إليهم الحياة، وأن يكشف عن النبل الإنساني عند أناس صغار منسيين في خضم الحياة ـ وباختصار أن يكشف عن الروح الإنسانية المتساوية القيمة في جميع البشر".
" ليست الإنسانية إحسانًا وعفوًا وتحملاً، وإن كان هذا كله نتاجًا ضروريًا لها. لكن الإنسانية، بالدرجة الأولى، توكيد لحرية الإنسان، أي توكيد لقيمته باعتباره إنسانًا".
يري علي أن من الإِنسانية أن يعاقَبَ الإِنسانُ علي خطئِهِ لا أن يعفو عنه.من الإنسانية أن يتحمل مغبة فكرة واعتقادهُ ,لا أن نجعلهُ يتأسَّفْ أو يغيرُ رَأيَهُ ,يَقُول" إنها أكثر إنسانية أن يُعاقب إنسان بسبب معتقداته من إجباره على التخلي عنها أو التبرؤ منها بإتاحة الفرصة المعروفة باسم «الأخذ في الاعتبار بموقفه المخلص». ولذا، فهناك عقوبات إنسانية، وعفوٌ هو أكثر شيء لاإنساني. كان محققو محاكم التفتيش في الماضي يزعمون أنهم يحرقون الجسد لكي ينقذوا الروح، أما المحققون المعاصرون، فإنهم يفعلون العكس «يحرقون» الروح بدلاً من الجسد...".

وينطلقُ علي ليقول" إن أي تلاعب بالناس حتى ولو كان في مصلحتهم هو أمر لاإنساني، أن تفكر بالنيابة عنهم وأن تحررهم من مسئولياتهم والتزاماتهم هو أيضًا لاإنساني. إن نسبة الإنسانية إلينا تجعلنا ملتزمين. فعندما وهـب الله الحرية للإنـسان وأنذره بالـعقاب الشـديد، أكد ـ على أعلى مستوى ـ قيمة الإنسان كإنسان . إن علينا أن نتبع المثل الأعلى الذي وضعه الله لنا: لندع الإنسان يجاهد بنفسه بدلاً من أن نقوم بعمله نيابة عنه".
ويخلُص علي إِلي نتيجة هامه ,هِي" إن القول بمذهب إنساني ملحد ضرب من التناقض، لأنه إذا انتفى وجود الله انتفى بالتالي وجود الإنسان . كما أنه ما لم يوجد إنسان، فإن «الإنسانية» التي يزعمونها تصبح عبارة بلا مضمون. إن الذي لا يعترف بخلق الإنسان لا يمكنه أن يفهم المعنى الحقيقي للإنسانية. وحيث إنه افتقد القاعدة الأساسية، فإنه سوف يقلص الإنسان إلى مجرد «إنتاج السلع وتوزيعها وفقًا للحاجة".
بعد كل هذه البراهين  والأدلة,ينهي بيجوفيتش فصلَهُ الأَوَّلْ ,بِقَولِهِ" ولا يصح عندنا أن يكون الإنسان خادمًا لأي إنسان، ولا ينبغي أن يتخذ وسيلة، بل يجب أن يوضع كل شيء في خدمة الإنسان. فالإنسان خادم لله فحسب، وهذا هو المعنى المطلق للإنسانية".
عبدالرحمن ناصر.
الاثنين.
10:10م.
5/12/2011م.


       





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق