الأربعاء، 20 يونيو 2012

رسالة إلي فاطمة2...!



فاطمة , حاولتُ مراراً أن أثنيهُ عن أن يقحمني في هذا الأمرْ ,وأعلمُ أنكِ خَجلةٌ منيْ ,لكن سامحيني . . لم تَرُدِّي علي رسالتي السابقة بعد ,واليوم لولا أنهُ طلبَ إِلَيَّ ذلكَ لما أرسلتُ هذهِ الرسالة..ربما تعتبرينني متطفلاً أو دخيلاً ,لكنني علي ثقةٍ أنني أعيشُ داخلهُ ,كما يعيشُ داخلي هو مذْ ظهرتْ سمائي علي هذا العالمْ.
                               *****

أتعرفين ,طبقاً لبعضِ النظرياتْ ,فإِنَّ كُلَّ إنسانٍ حينَ يطلُّ علي هذهِ الحياةِ فإِنَّ لهُ شمساً تغيبُ بموتهِ .أقصد بانطلاقهِ إلي المطلقِ الأبديّ ,الذي ليس لهُ بدءٌ ولا لهُ منتهي.بانطلاقِهِ كجدولٍ إلي النّهرْ .

كانَ يحاولُ أن يناقشني في نظرياتِ التناسخُ ووحدةِ الوجودْ ,هذا الأمرُ قائِمٌ عندهُ منذُ سنواتْ ,مذ تأثرَ بمواكِبِ جبرانَ ونبيهِ الراقي!.

قالَ لي ـ وهو يبكي ـ أنهُ لم يكنْ يقصدُ شيئاً ,ويحكي أَنَّ كُلَّ إنسانٍ لهُ ما يميزهُ ويشقيه ,وما قد يتقابلُ عندَ أحدهم لا يتعارفُ عند الآخر ,وما قد ترتضيهِ الغزالُ لا ترتضيهِ الفراش!.

وحكي عن تطورنا في الحياةِ ومجاريها المتشعبةِ ,وطرقها الواعراتْ ,وقالَ أَنَّه طبيعيٌ أن ما يعيشهُ الإنسانُ وهو فردٌ ,غير ما يعيشهُ وهو إنسانٌ كاملْ.
*أظنكِ تفهمينَ ما معني الإنسانُ الكامِلِ عنده!.

حكي لي أنهُ أصبحَ يُحِبُّ ما تحبينْ ,ماندي موور ,جين أوستنْ ,آينشتاينْ والنسبية! ,قالَ أَنَّ نظرتهُ تغيرتْ كثيراً لأشياءُ كثيرة ,وقالَ أنكما غزلتما معارفكما معاً واستكشفتما كثيراً من النظرياتِ والمقولاتِ معاً ,وقالَ أنكما تناقشتما عنْ كُلِّ شئٍ في هذهِ الحياة ,الجنسُ والحُبّ ,العلمُ والعقلْ ,والدينُ والقلبْ ,الإلحادُ والتصوفْ ,الآباءُ والأبناءْ ,الحريةْ ..


قالَ أَنَّكِ أيضاً تغيرتِ كثيراً عن ذي قبلْ ,قال أَنكما ولدتما معاً ميلاداً جديداً علي رصيفِ الأمنياتِ تحملانِ أحلامكما خبزاً .

حكي أَنَّكِ تعبتِ من أشياء كثيرة ,ربما تعتبرينها أقحمتْ علي حياتكْ , أو ربما تريدينَ أن تقننيها أو ترتبيها ,ربما تتخلين عن بعضها أو تتركينها جميعاً ,لكن يا فاطمة هذا هو الحُبّ.

قالَ أنكما لم تتشاجرا كثيراً ,وكانَ كُلُّ شئٍ بالهدوءِ والحُبّ ,وقالَ أنكما متفاهمانِ كثيراً ومختلفانِ كثيراً .أذكرُ انهُ كانَ ينصحني في موضوعٍ خاصٍ بي ,كانَ يقولُ لي"يا رفيقي ,ليسَ الحُبُّ أن تجدَ من تشبهكْ ,ولا أن تصيرا متشابهينْ ,الحُبُّ أَنْ تُحِبَّ من اختارتهُ روحكَ لتكملها ,من اختارتها لتخبرها عن السِّرِ المُقدسِ في ليالي الحُبّ ,أنْ تطعمها من الخبزِ المقدسْ في ليالي الرومانسية!الحُبُّ أن تتصلا فتنفصلا ,فيكونُ اتصالكما انفصالاً ,وانفصالكما اتصالاً,أن تصيرا إنساناً مكتملاً ذا صفتينْ ,غيرُ هذا لا يكونُ حُبَّا".

أنا أعلمُ عنهُ أنهُ يحاولُ قدرَ ما يستطيع أن يطبقَ كلَّ نظرياتهِ وما يؤمِنُ بهِ علي نفسه وأعلمُ أنكِ كذلكْ.

حكي لي حينَ طلبتِ أن تستريحي ,وقالَ"هل يستريحُ البشرُ من كونهِ إنساناً كاملاً ,هل تُحِبَّ أن تستريحَ من أن يسألَ عليكَ أحدهم ليلَ نهارْ ,يتأرقُ لأرقِكْ ويخافُ لأجلِ ضعفِكَ أو قلقكْ؟!".
يا فاطمة حكي قائلاً:
   حينَ أخبرتني بقرارها هذا ,ذهلتْ ,وحينَ سألتُ عن مدةِ الاستراحة ,لم تجبْ ,وعندما ألححتُ في السؤالِ أجابتْ"لا أعرفْ".حينها سكتتُ وكتمتُ حزني في الأعماقْ ,هكذا علمتني الحياة ,أن أحزنَ في صمتْ وأبكي في جلالة ,التحفتُ بغطائي ,وتكومتُ علي سريريْ كعادتي حين أنتحبْ ,غيرَ أَنَّ بكائي هذهِ المرة خرجَ صامتاً ,وكأنَّهُ طقسٌ دينِيٌّ قديم لشعبٍ من شعوبِ آسيا القديمة!.
يا فاطمة ,لقدْ بكي وهو يحادثني ,شعرتُ بخنجرٍ في حلقهِ ,وهو يشهقْ ,كنتُ أشعرُ أَنَّهُ يودِّعُ الحياةْ.
يا فاطمة ,صدقيني ,إِنَّهُ يحبُّكِ حباً ما رأيتهُ من قبلْ ,يحُبُّكِ حباً طقوسياً ,يُحِبُّكِ بتَدَيُّنْ ,بنظرةِ إلهيةٍ متجاوزة.
هكذا قالَ يا صديقتي النقية!.




عبد الرحمن ناصر.
20/6/2012م.
08:22م.

هناك 3 تعليقات:

  1. الله عليك :)

    قرأت الرسالة دي وأجبرتني على قراءة الرسالة الأولى

    (Y)

    ردحذف
    الردود
    1. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
    2. ارجو منك قراءت الرسالتين التاليتين..وشكراً علي مرورك :)

      حذف