السبت، 17 مارس 2012

غير متفائل بالثورة..



كلما قابلتُ أحداً من أصدقائي ـ و حتي الثوار منهم ـ"يقول حزيناً"أنا غير متفائل بالثورة,بص اللي بيحصل".
صحيح,ومتفق تمامً معهم,حتي أنا انتابتني عمليات إحباط ولحظات بؤس من الثورة ومما ستقوم به.
لنتفق أولاً أن الثورة عملية مركبة جداً ,وغير بسيطة تغير تغييراً راديكالياً ,وقد وصل التغيير مع أحد الأصدقاءِ إلي شئٍ مشبهٍ بالإلحاد.
ومن احدي تراكيب الثورة وتركيباتها أن هناك انفتاحاً علي الآخر إلي حدٍ كبير لم يكن موجوداً قبل ذلك.
ليس هذا موضوعنا,ولكن لنلقِ نظرة علي المشهد السياسي الآن.
سيطر علي البرلمان(أو بالأحرى هي الأغلبية) ,جماعة الإخوان المسلمون"وهي الجماعة الإصلاحية طوال عمرها السياسي" . .وصارت ثاني الكتل البرلمانية لحزب النور السلفي,ورغم ما يقدمه حزب النور يوماً بعد يوم من مواقف إلي حدٍ ما تعتبر محترمة (رغم أن هناك مواقف لا تعتبر محترمة علي الإطلاق) إلا أنه هو الآخر إصلاحي,بل ويركن إلي الدَّعَة وإلي البعد عن المظاهرات وأي مظاهر احتجاجية أخري ,ناهيك بالطبع عن اتهام أحد أعضائه للألتراس أهلاوي بالبلطجة,ناهيك أيضاً عن قضية أنور البلكيمي ناهيك عن الكثير والكثير والصور التي التقطت لنواب النور وهم نائمون داخل البرلمان.
أما مواقف الإخوان فهي الأحرى بالسرد والتحليل إذ أن الجماعة مذ استحوذت"وهذا حقها"علي الأغلبية البرلمانية وهي لا تقدم جديداً في الواقع السياسي المصري.بالنسبةِ لي ليس مفهوماً لماذا بعد مجزرة بورسعيد لم تستخدم الجماعة حقها الطبيعي جداً والمفهوم في سحب الثقة من الحكومة وتشكيل حكومة إخوانية أو حتي ائتلافية.
وبرأيي أن هذا حركة ثورية راديكالية عظيمة لكانت الجماعة وحزبها دخلا بها التاريخ,في تصديهما للعسكر,وجدير بالذكر أن نُذَكِّرَ المتخوفين من العسكر إذا اتخذوا هم هذا الخطوة أن ينقلب عليهم,أقول نذكرهم أن الإخوان انتخبهم الملايين وبهذا فهم يستندون للشارع الذي انتخبهم,وكل ما يتطلبهُ الأمر هو موقف ثوري قوي .
 وتفجرت في الآونةِ الأخيرة مشكلة الرئيس القادم,هل هو توافقي أم ماذا؟.
بالنسبة للأحزاب الإسلامية فليس مفهوماً أنهم لن يؤيدوا مرشحاً إسلامياً,بالنسبة للنور فليس مفهوماً تماماً أن لا يؤيدوا أبو إسماعيل وهو الأقرب لهم,والسبب هو غضب"المشايخ الكبار ذوي النفوذ القوي داخل الحزب أمثال الشيخ البرهامي لأنه خالف قرار المشايخ الذين أجمعوا علي عدم النزول للميدان في أحداث نوفمبر".
بالنسبة للحرية والعدالة ليس مفهوماً أيضاً لماذا لا يؤيدون مرشحاً إسلامياً ,وهم الذين صعدوا لليمين في البرلمان لأنهم إسلاميون.
بل أذهب إلي ما هو أبعدُ من ذلك,لماذا لا تؤيد الجماعة أبو الفتوح,وتقول الجماعة الإصلاحية وحزبها السياسي أن موقفهم أمام الناخبين سيكون سيئاً لأنهم تعهدوا بعدم ترشيح إخواني للمنصب..وأقولُ لهم,منذ متي والجماعة تلتزم بهكذا التزامات,ألم تخرج علينا لتقول أنها لن تنافس إلا علي ثلث البرلمان,هل هذا حدث؟!.إن الموقف من أبو الفتوح مثل الموقف من الانتخابات البرلمانية,لكن يسيطر علي الجماعة عقول غريبة تري أبو الفتوح خان العهد مع الله!.
اقتصادياً ,وعلي صعيد الاقتصاد المصري يقوم بعمليات تفريغه وتبرئ المتهمين السابقين من خلال الكذب الاقتصادي,الجنزوري وحكومته,وهو الشخص الذي خصخص القطاع العام وقت أن كان رئيساً للوزراء.وسمعته الاقتصادية سيئة للغاية,وهو الشخص المنقاد دوماً لتعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين.
ليس هذا ما يهم,إذ أن الموقف الاقتصادي "خربان"بفعلِ فاعل,وليس لأن الثورة هي من فعلت هذا.
بالنسبة للقوي المؤثرة في البرلمان والتي يمكن أن تشكل الحكومة في يومٍ من الأيامْ . .يسيطر الاقتصاد الليبرالي علي الكتل البرلمانية الكبري,فالإخوان هم الأكثر رأسمالية,وبرنامج النور مثل برنامج الحزب الوطني(نائين عن تشبيه الأشخاص,والذي ظهر أنهم يشابهون نواب الوطني السابق في بعض الأحيان).
اجتماعياً,لا أري واحداً من عامة الشعب إلا وهو غير مؤمن بما ستؤمنه له الثورة,وتلاشت أحلام الطبقة الفقيرة و حتي المتوسطة في مستقبل إقتصاديٍ قوي يؤمن لهم احتياجاتهم الضرورية,وإذا أخذنا بمنطق الرئيس الفرد الواحد الأحد فمن من مرشحي الرئاسة ليس يمينياً اقتصاديا؟!ومن منهم لن يدخل المنظومة العالمية الاقتصادية والنظام العالمي الجديد"بالنسبة لي هما أبو الفتوح وأبو إسماعيل,ولكنهما لن يكونا علي القدر المأمولِ برأيي ,وسيكسران عاجلاً أم آجلاً".
إعلامياً,تمت قولبة نماذج علي أنها هي التي قامت بالثورة ,فعلياء مهدي هي التي تمثل المرأة المصرية في مؤتمر بدولة أجنبية ,وعلاء عبد الفتاح هو الذي فجر الثورة,ثم يأتي بعد ذلك ليقول لك علاء عبد الفتاح يدافع عن حقوق المثليين,وعلاء هو الشيوعي الذي لا يكتب في خانة الديانة علي حسابه الفيسبوكي أي دين ,وأحمد دومة هو الفارس المغوار,وأسماء محفوظ هي جميلة  بو حريد...ثم يفبرك لها قضية يحكم عليها فيها بالحبس سنة مع غرامة مالية."بغض النظر بالطبع عن رأيي في هذه الأشخاص,وأنا لست ضدهم وإنما متضامن معهم فيلا كل هذا,أتكلم عن الاغتيال الإعلامي الممنهج".
المهم هو يقولب نماذج ما ليصيروا رموزاً للثورة ثم يحرقهم في الوقت المناسب(وهو أسلوب متبع في شتي دول العالم),وهنا يجد المواطن البسيط نفسه بين شقي رحي ,فمن يؤيد ومن يصير رمزاً له؟!ونحن شعبٌ نقدس الرموز.وليس يخفي أن الذي يدير المنظومة الإعلامية هي الشئون المعنوية للجيش المصري.
كذلك تم تدجين المئات من الائتلافات والمجموعات الشبابية ,ولا ادري أهو أمرٌ صحي وطبيعي ,أم أمرٌ مقولبٌ ومنتهج؟!,مما يجعل المواطن البسيط بل والمثقف أيضاً في حيرةٍ من أمره,وفي حالة سيولة عارمة.
كل هذه الأمور تحبط الذي لا يُحبط ,إذ البرلمان الأول بعد الثورة بهذا الشكل وبهذا الأداء الهزيل,والكتل البرلمانية الكبري يمينية اقتصادياً وسياسياً ,وليس هناك أي دور يذكر لليسار.وإعلامياً تتم قولبة و نمذجة أشخاص ورموز,وقتل الثورة داخل النفوس اجتماعياً .وليس أدلَّ من ذلك انعدام وجود مظاهراتْ حاشدة في الميدان أو حتي المسيرات الكبري التي كانت منتشرةً إبان الثورة وبعد العيد الأول لها.
وكلما مشيتُ في مسيرة أري الناسَ ينظرون إليها باعتبارها عملاً يضر مصالح البلاد والعباد ,وسمعتُ أكثر من مرة عبارة"شوية بلطجية".
مرةً كنت أتناقش مع شخصٍ أمِّيّ ,وكان ضد المجلس العسكري ,ووقت الدعوة لعصيان المدني قال لي الرجل"أنا مع المجلس العسكري,الناس دي عايزة تخرب البلد ,أدينا نستحمل المجلس لحد يونية"..
ومن بساطة الرجل علمتُ أن الآلة الإعلامية الداعرة قد زنت بعقلة ,ورحت ابين وافصل واشرح ,نظر الرجل نظرة تعجب ,وقال لي "ولاد الو...".
بالنسبةِ لي أنظر إلي الثورة كعملية مركبة ,وفعل راديكالي يتطلبُ وقتاً حتي تبذر الثورة بذرتها في النفوس والعقول والمجتمع ,ثم تنبتُ بعد حينْ .وتختلف شخصية كل إنسان في تلقيهِ لهذه البذرة وفي اعتنائهِ بها حتي تثمرَ فيه.
ربما هذا رأيٌ طوباوي أو مثالي كثيراً ,لكن هذه رؤيتي من خلال نقاشاتي المعمقة مع قطاعات كبيرة جداً من كافة الطبقات الإقتصادية والتعليمية والإجتماعية.
الثورة مستمرة.
تصبحون علي وطنٍ وثورةٍ وحبْ.
السبت.
17/03/2012.
08:10م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق