الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

أنا والرفاق والليل والفن..


كان يوماً رائعاً,لقد كان من أجمل الأيامِ في حياتي علي الإطلاقْ..
حيثُ القلشات المعرفية.والفن من نظرةِ يوسف عبد الجليل.الذي قال عنه صديقنا أراهُ وهو يتكلمُ كأنما سقراط يتكلم وحوله تلامذته..وكم كان كريم بشعرهِ وقصائده التي يحفظها تدهشنا وتجعلنا نضحكُ ونرفعُ الصوت معجبينَ "الله!!"..و لك الله يا مصطفي حين كنتَ تطلِقُ كلمةً تضحكنا جميعاً ,لك الله حين كنا علي المقهي نتداولُ الأفكار والنقاشات وأنت تبخر لنا الجو بنفس "الشيشة"وضحكات المساء..
وأنت أيها الرائع لقد كانت صينيةَ "الفراخ" في الفرن رائعةً ورائعة.

والأرز "المعمر"كم كان شهياً وبهيَّ الطلعة والطعم.وكم كانت كتبك رائعةً.

حين وصلتُ طنطا وجدت محطة القطار البديعة الشكل ,تذكرت ساعتها شكل لندن في الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي.
ذهبنا لبيتِ محمد يا الله من هذه المكتبة,تفوقُ مكتبتي وكتبي.بها الكثير والكثير..(أدبٌ وتاريخٌ شعرٌ فكرٌ وسياسة....أشياء أخري كثيرة),أتذكر حين قال لنا"منورين"فقلتُ وأنا أنظر للمكتبةِ فوقي"ده نورك أنت وكتبك"حينها رد وقالَ"انتو جايين تشوفوني ولا تشوفوا كتبي".وانطلقت الضحكات منا علي غير ما خوفٍ ولا وجل.
أنشدنا رفيقنا كريم الرائع قصيدةَ شعرٍ جميلةً جداً ,لكنها ليست لهُ..
ظللنا نطلبُ المزيد والمزيدَ من الشعرِ؛فأنشدنا من شعرهِ الرائع القوي المتن البديع التصاوير والصور البيانية..
ظللنا نتباحَثُ حول المسيري وسيد قطب,من قال أنه لكي افهم المسيري أقرأُ لسيد قطب؟..شتان ما بين الرجلين,أنا أعتنقُ هذا الرأي ,لكن مصطفي له رأيٌ أخر.
كانت مصطلحاتُ أستاذنا المسيري حاضرةً معنا وكان هو حاضراً رغم غيابه,تذكرتُ قول المتنبي:
فليت طالعةً الشمسين غائِبَةً *** وليت غائِبَةً الشمسينِ لم تَغِبِ.
لا أذكُرُ كَمَّ المصطلحاتِ المعرفية التي وضعناها في قوالبنا الكلامية ونحن نضحكُ ونتضاحك.
أذكر أن مصطفي عشري حين سألته "أتشرب الشيشة التفاح أم القَصّ"فضحك وقال"لا لا مليش ف الحجات دي ,أنا بشرب تفاح يا عم الحاج"..فقلتُ وأنا أضحكُ"مش راديكالي في شرب الشيشة"..وذابت ضحكاتنا مع ليلِ السماءِ البديعِ ونجومهِ الساهمات.انطلقنا فوق سطح البيت.كان الليلُ رائِعاً وجميلاً,والرفاقُ أجملَ وأجملْ.
قال  رفيقٌ"ينقصنا النبيذُ الكوفي المعتق"ورد آخر"وجواري الأندلسَ يا فتي"...ووقعنا في فاصلٍ طويلٍ من الضحكِ والقهقهات.
أخذ كريمُ ينشدنا شعراً فشعراً ونحنُ لا نَمَلُّ ولا نميلْ.
ثارت قضيةٌ نناقشها.السلفية.وما المفهومُ والأتباعُ و ما هي الحركة والمصطلحُ العقديُّ لتلكَ الكلمة,والمصطلح المجتمعي.أذكر أننا تناقشنا فيها كثيراً.

قبل صعودنا للسطحِ..دهمتنا فكرةٌ جهنميةُ رائعة.لم لا نذهبُ للإسكندرية؟!.
نجلسُ علي الكورنيش حتي الفجر ثم نركب ونأتي..فنذهب كلٌ منا لجامعتهِ وكذا يسيرُ الأمرَ دونَما نوم.
هممنا بذالك لكن استقر الأمرُ بعد أن تأخرنا قليلاً علي الذهاب أن نتفقَ علي وقتٍ أخرَ نذهبُ فيهِ معاً..
نزلنا من فوقِ السطحِ في حدود الحادية عشر مساءاً ,تمشينا قليلاً ثم جلسنا علي قهوةٍ رائعةٍ في الهواءِ الطلقِ وأمام محطةِ القطار البديعة المبني والشكلْ.
أثرتُ قضيةً تشغلُ بالي وهي.دخول غير المسلمين والملاحدة النار يوم القيامة..

تداولنا القضية وتناقشنا فيها قليلاً..لكن ليس هنا مقامُ إيرادُ موقفي وفكرتي منها ..وربما في مقالٍ أخر قادم إن شاء الله.
ذالك بعد أن قمتُ ويوسفَ فدخلتُ مكتبتهُ ويا الله كم أبهرتني..
الغرفةُ مكدسةُ الجانبينِ برفوفٍ علي جانبي الغرفة...وأرضُ الغرفة منتصبَةٌ فيها أعمدةُ الكُتُب..كم هي رائعة.
تداني مكتبةُ والدي تقريباً مع اختلافِ الموضوعات التي بالكتب..
مكتبتي صغيرةٌ بالنسبةِ لها..لكن ما يهونُ علي قلبي أن يوسف أكبر مني بثلاثِ سنوات..وهذا مما يشعرني بأملٍ بعد أن رأيتُ مكتبتهُ التي تشعر بالإحباط.
خرجتُ من مكتبةٍ يوسف اليانعةً المورقةَ الثمر ببعضِ كتبٍ رائعةٍ هي:

1ـ الصهيونية والحضارة الغربية.د.المسيري.
2ـ حياتي .لأحمد أمين.سيرة ذاتية.
3ـ قيم من التراث.د.زكي نجيب محمود.
4 ـتاريخ الحضارة الهلينية.أرنولد توينبي.
وخرجتُ من مكتبةِ محمد الرائعة و المونقة بكتب:
1ـ ونسميهم أصدقاء.سامي الغباشي ,ديوان شعر.
2ـ مجموعة قصصية .لتشارلز ديكنز.
3ـ مجموعة قصص من البرتغال وإسبانيا وأمريكا اللاتينية.
4ـ مِحَنُ الفتي زين شامه.سالم حَمِّيش.رواية.
5ـ عصافير خضراء قرب بحيرة صافية,علي منصور.ديوان شعر.
6ـ حَيُّ بن يقظَانْ..والنصوص الأربعة لابن سينا وابن طفيل و السهردوري وابن النفيسْ.(مُستعارٌ).
بالطبعِ هي كتبٌ قيمةٌ جداً..كأصحابها الذين أعطوها لي .
انطلقنا نتمشي ووصلنا للسيد البدوي وكان الناس في ساحةِ الجامع حوالي الساعة الثانية صباحاً,لا أعرف ماذا يصنعون هنا .اعتزم أن آتي أحد أيام الموالد لأري ماذا يصنعون هنا.
اشترينا ساندويتشات وذهبنا فوق السطح مرةً أخري.حيث يحلو السَّمرُ وتنسابُ الضحكاتُ الشفافة والقهقهات العالية.
كانت ساندويتشات الفول بالسجقِ والطعمية بطنطا لها مذاقٌ خاصٌ خاصةً مع مثل هذا الصحبة الرائعة.
تحدثنا عن أشياء جيدة وأخري بها من القفشات القلشاتِ ما يكفي لأن يميتَ بلداً كاملاً.
تحدثنا عن الحبِّ,و تُدُوِلَتْ أفكارٌ عنه كثيرة.وتحدثنا عن شِقِّهِ الأخرَ وهو الجنس.
مدح يوسف مقال"عن الحب والجنس تماهي أم تناقض"وتحدثنا عنهُ وعما يدور فيه.
  تحدثنا عن ابن قتيبةَ وقوله في تلك المسألة.
ناقشنا بعدها قول ابن القيم في وضع المرأة والرجل عند ممارسة الجنس.
ورأي ابن القيم أن الرجلَ إذا لم يأخذ هو المبادرة أو أعطي المرأة فرصة أن تكون فوقهُ فهذا ينافي مبدأ القوامة للرجلْ.
بالطبع لم أوافق أنا علي هذا الطرح..وعندي مسألة التفرقة بين الذكر والرجل مسألةٌ كبيرةٌ وشائكة..لما يترتب عليها.
المهم تناقشنا ومزحنا كثيراً..مزحات و قفشات خاصةٌ بنا لن أوردها هنا..ولا تسألوا عنها إذ أنها من الممكن "إن تُبدَ لكم تسُؤكم".
رحتُ في نومٍ بسيط وقد لمتنا بطانيةٌ واحدة أنا وكريم..و استلحف بها باقي الرفاقْ.
قمنا ونزلنا لصلاةِ الفجر..انطلقنا نركبُ السيارة العائدةَ بنا إلي القاهرة..الصباحُ جميلٌ ورائعٌ وبديع.سلمنا علي يوسف واعداً إيانا أنه سيأتي القاهرة قريبا إن شاء الله..قال كريم إننا سنكررُ الليلة عنده الأسبوع القادم.فرحتُ كثيراً إذ أن مثل هذه الرفقةَ صعبٌ أن تجد مثلها..هم أناسٌ أضاءوا ظلام الجهلِ والبلادة المورقةِ هُنا في بلادنا..

قصرتُ في حَقِّ حبيبتي الليلة السابقة .لكنني كنت مع الرفاق..دوماً كانت ببالي ولم تذهب عن ناظري لحظةً واحدة.
انطلقت السيارة ورحتُ بنومٍ عميقْ.
حين وصلنا القاهرة..أتحفنا كريمُ ببعضِ شعرٍ للمتنبي   ومعشوقي أبو العلاء المعري..
نزلنا محطة المترو..هناك افترقنا أنا وكريم من ناحية ومصطفي من ناحية.
ركبنا وكريم معاً , ومحطتين ثم افترقنا..
كل ما بذهني الآن..أن ابتسم وأقول كم كانت ليلةً رائعة.
وأن أهاتف حبيبتي لأطمئنها أنني بالقاهرة..وفعلتُ.
 في النهاية:

يوسف عبد الجليل :كم أنت رائع,وكما قال محمد أجد فيك سقراطاً يتكلم وتلامذته يسمعونه.
محمد عبد العزيز:رائِعٌ أنتَ يا صديقي.أدامك الله لي صديقاً وحبيباً.
كريم:كم أعجبتني..وكم كانت قصائدكَ تهز وتراً داخلياً حساساً عندي.لي عندكَ دواوينُ عندما أزورك إن شاء الله.
مصطفي عشري:يا رفيق دربِ الآلام..أحبكَ جِدَّاً والله يا رفيقي..كُنْ بِخَيرْ وتَجَلَّدْ..فالله يحمِلُ لك الخير..فهو يُحِبُّكْ.
الأربعاء.
08:34م.
12/10/2011م.


الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

ابتسم لي يا صديقي...



  حين قلتَ هذا الكلامَ يا صديقي ..لا تعلمُ كم كان وقعُهُ أليماً علي قلبي وشديداً علي روحي؛أغلقتُ حاسوبي وقمتُ ملتاعاً حزينَ القلبِ والرُّوح..لم أتخيل أن تَصِلَ بِكَ هذه الحالة إلي هذا الحد القاتل.
  أتعرف؟لم أكنْ فضولِيَّاً يوماً  في أشياءَ لا تَخُصُّنِي أَنَا ,وربما أحياناً لم أكنْ فضولياً في أشياءَ تخصني بالتخصيصْ.
حين أسألُكَ يا صديقي لا أكونُ فضولِيَّاً بل أكونُ محباً,حين أحاوِلُ أن أدفعكَ إلي أمرٍ ما؛إنهُ ليس من بابِ الوصاية أو السلطوية..إنهُ من بابِ المودةِ والحب..وحب الخير لمن أحبَّ قلبي وزاملهُ فِكْرِيْ.
أحاوِلُ أن أكونَ معكَ في الأحداثِ يا رفيقي كما كنتَ حاضِرَاً حينَ كُنتُ غائِبَاً أو مُغَيَّبَاً.
أذكُرُ حينَ أقحمتَ نفسَكَ مُحِبَّاً لتحوطني بمشورتِكَ و تشيرني برأيكَ..لم أقلْ..تلك الكلمات المشاعية التي قلتها وكررتها لي مراراً.
رأيتُ فيك صديقاً وأخاً وربما رفيق دربٍ قادمٍ لا يعلمُ مداهُ إلا بارئي وبارِئَكْ.
تلاقت أفكارٌ لنا علي غير موعدٍ  ودونما تخطيط.
لكنك جرحتني ..يا صديقي..حين صببت علي هذا الاتهام الغير برئ بالمرة.
أنا لست فضولياً كما وُصِفتُ من قبلِكَ ولستُ غير قانوني..فإن هناك من"قَونَنَنِي".
ولستُ متطَفِّلاً .كما وَصَّفتُ نفسي محاولاً تهدِئَةَ ما بنفسِكْ.
حين سألتُ حبيبتي "هل أنا طيبٌ لهذه الدرجه؟درجة البلاهة؟لدرجةِ أن يُضْحَكَ عَلَيّ ؟أو أكونُ مهاناً؟!قالت وقد فهمت ما بي أتشعر بالذنب؟"نعم أشعر بهِ لكن ليس لأجلِكَ يا رفيقي بل لمن هُوَ أَهَمُّ مِنْكْ.
أشعرتني بمهانَةٍ غير عادية..أحسستُ أن نفسي هينةً لينةً عليك,ثم أحسستُ بها هينةً علَيّ بعد كلماتك الجارحات واتهاماتك الجزافية التي لا تستندُ لدليلٍ واحِدٍ غير أنك لا تقومُ بما يتوجبُ عليك فعله خير قيامْ.
لا ذنب لي فيما ذهبت إليه من اتهامٍ أبلهٍ جَافٍ.
خسرتُ الكثير من الأصدقاء , بل ربما هم من خسروني.أو من الممكن  أن أكون أنا وهم خسرنا جميعاً .
لا اطلب منك اعتذاراً ولا تبريراً لما بدر منكَ.فالاعتذارُ ليس من شيمكَ ولا من صفاتِ المعتَدِّين بأنفسهم أو ربما الواثقين بأنفسهم زيادةً علي اللزومْ.فقد طَلَبتَ فَأُجِبتَ إلي طَلَبِكَ..وأخذتَ ما أردتَ.ونِلتَ ما رُمتَ.
أَشعُرُ أَنَّنِي وَرَّطْتُ أَحَدَهُمْ . .وأَنَّنِي مُذْنِبٌ تِجَاهَهُ فليَعذِرنِي.
لا أَطْلُبُ مِنكَ شيئاً الآنَ.أستطِيعُ أغَضَّ الطَّرفِ عن هذا الإتهامِ .لكنني لا أستَحِقُّ الجَفَاءْ.
فَكِّر بعقلِكَ وقَلبِكَ . .ولتتخذ قراراً أَنَا أحترمهُ وأُقَدِّرهُ.وسأتعامَلُ مَعَهُ بِكُلِّ مَوَدَّة..ماذا تريدُ شكل علاقتنا...؟
إن أردتها بالأساسْ!!!.
لكني أريدُ أن أعلمكَ أنني كنتُ أعمَلُ لِصَالِحِكَ ـأو أنني كنتُ أَظُنُّ ذَالِكْ ـ .
علي كُلٍّ ..
أُحِبُّكَ يا فَتَي.
لكنني أريدُ أن أذَكِّرْكَ بِبَيتٍ قالَهُ شاعِرٌ عَظِيمٌ لا أعرِفُ اسمَهُ..قال:
جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَ التِئَامُ *** ولا يَلتَامَ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ.
كُنْ بِخَير.






الاثنين.101/2011م.
09:45م.

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

الرسالة الثانية:بقايا سنديانه..


توطِئه:
سيدتي الحياة
أحببت نفسي مرتين
حين أدركت الحقيقةَ
 وحين أدركتني
(1)
مساءاً نُذاكِرُ ورفيقٌ لي..
يلوحُ لي طيفَكِ...فأتركَ الكتاب الذي بيدي و أسبحُ , أسبحُ حتى صباح اليوم التالي..
باكياً ملتاعاً , وأنتِ هناكَ بعيدةٌ عني..لا أسطِيْعُ لَكِ طريقاً ولا مسلكاً.أنظُرُ ساهماً في كتابي ,ولا شئَ سوي رتوشٍ مبعثرةَ الأشلاءِ علي صفحاتٍ أضناها طول المُكثِ والبقاء .

(2)
أتذكركِ ويلوحُ طيفكِ دوماً ,أنا في لِجنةِ الامتحانِ منهمكٌ فيما أكتبُ وأتفلسفُ فيهِ علي أستاذي ,أنا مشاكسٌ صعبَ المِراسِ إلا أمامَكِ أنتِ تخورُ كلُّ قواي وأشرعتي تنكفئُ ذاهلةً منهزمة.
لاح طيفُكِ لي .
تركتُ قلمي وتركتُ عقلي معه..وظللتُ أنا وقلبي فقط...خلعتُ نظارتي و أرخيت رأسي ,ووضعت وجهي بين كفيّ ,قليلٌ من التفكيرِ وأضعُ رأسي علي ما يقابلني,وأروحُ أذكرُ صورتكِ التي لم أرها منذ سنتين كاملتينِ أو أكثر,نطقكِ,صوتكِ...
المراقب يأتي ,يهزني وكأني جسدٌ ميتٌ بلا أملٍ أو سرابُ أمل.
يحسبني مريضاً ,ويا الله,وأَيُّ مرضٍ تعرفونَ أنتم!؟؟ ,أنا فقط من يعرفُ المَرَضَ فقد خبرتُهُ .حتي ألِفتُه .
أسكرني وقتلني ,وأخرجني من دنياي..
(3)
القافِلَةُ تسيرُ ,رغمَ كُلِّ شئ ..
النِيلُ يجري . .وتتبعثَرُ الأشلاء .
ويعبُر الماضِي إلي مستقبلٍ . .أو شبحُ مستَقبَلٍ زائِفٍ رُبَّمَا .
لكن الحياةَ تسيرُ رغماً عن كُلِّ ذالك ..
(4)
وما الدُّنيا سُوَيْ حُلُمٍ نَعِيشُهُ
لنعبُرَ لنعِيمٍ أو عَذَابِ . .
السائِقُ يسيرُ بسرعَةٍ جنونية . .وكأنهُ يقودُ قطارَ الحياةِ الذي يسيرُ سريعاً ..سريعاً..ويأتي عندي ويكونُ بطيئاً..
أسندتُ رأسي علي النافذةِ ,التي يتخللُ مِنِّي إليها بعضُ الهواءِ الأرعن.
لافتاتُ علي الطريقْ . .
*****
صديقي توفي .رحل منذُ أيَّامْ..صديقٌ هو مذ كُنَّا طِفلينِ لا نعلَمُ شيئاً عن مِراسِ الحياةِ و شعوائِها .
رحلَ دونَمَا بسمَةٍ أو كلمَةٍ أو رسالة ,أحَبَّ أن يرحَلَ وأن يكونَ حَيَّاً بسكونٍ وصمت . . دونَ كلامٍ أو فلسفات . . دونَ قَلَمٍ أرعنَ أو حُبٍ وثنِيٍ مِثلي .
عاشَ بسيطاً واستيقَظَ بسيطاً ساهِماً. . ببسمَتِهِ الدائمة الحنون..
رَحِمَكَ اللهُ يا صديقي...
عِش كَمَا أردتَ دائِماً بلا أحلامٍ أو خرافات. .فهناكَ الحياةُ وليست هُنا.
(5)
أضحي التنائي بديلاً عن تدانينا
ونابَ عن طِيبِ لُقيانا تجافِينا. .

رحمَ الله ابنَ زيدونْ ,كانَ عاشقاً . .
رحم الله ولاَّدة بنت المستكفي..لقد كانت أنثي. .
(5)
عسي الَّليالي التي أضنت بفرقتنا..
جسمي ,ستجمعني يوماً وتجمعُهُ
يا الله ,رحمكَ الله يا ابن زريق . .
قالت أُمِّي لقد هزلتَ يا ولدي .
وجبةٌ واحِدةٌ في اليومِ لا تكفي لتُقِيمَ عودِك..
(6)
نخلاتٌ ساهِمةُ هناكَ علي الطريقْ .
ترنو إلي السماءِ في برودٍ وغرور...
وتذكرتُكِ أنتِ هناكَ..
كالنخلاتِ السَّامِقاتِ أنتِ في شعورِكِ ومشاعِركْ. .
(7)
النِيْلُ يشعُرُ بي..
وكَيفَ لا؟؟
!!
ألستُ طِفلَهُ الصَّغيرُ المجنون.
!!
أليس والدي الحنون الذي انبثقتُ عَنْهُ رُغماً عَنِّي..وأعودُ إليهِ رُغماً عَنِّي؟؟
!!
(8)
ووصلتُ البيتَ,وكان أبي..مريضاً عَيِيَّاً..
يُصارِعُ المرضَ وينكَأ الحياةَ وتنكأُه,وكأنَّهُ يقولُ سأكمِلُ حُلُمِي الذي أقحمتُ فيهِ بلا إرادتي. .
أوراقُ الخريفِ تَسَّاقَطُ مستعجِمَةً تساقُطها وانهزامِها عن حلمها في آخِرِ فصلها . . التي أقحِمَتْ فِيِهِ دونَ إرادتها.
أبي نَكَأَتْهُ الجِرَاحُ طويلاً..مَرَسَتْهُ الحياةُ ومضغتهُ كثيراً..
ما زالَ واقِفاً. .يحاوِلُ بلورةَ فلسَفَةٍ لَهُ في الحَياةِ ولا يستطيع .
تركها هكذا دون فلسفةٍ أو جموح. . ليس مثلي ,لم يرث عَنِّي صِفاتي...
يُحاوِلُ القِيَامَ ,يَمُدُّ يدهُ ويستندُ علي ما تَبَقَّي من بَقَاياي . الملتاعةُ المنحدرةُ من ثنايا روحي . .وأشلاءِ ذاتي..
تُري . .من سينتَصِرُ مِنَّا !! أنا أو أبي؟؟
من سيلحَقُ بِرِفاقِهِ هناكَ . . حيثُ النَّهرُ الكَبير , من سينتَصِرَ مِنَّا أولاً ليخرُجَ من الجدولِ الذي انبثقَ من هناكَ إلي هُناك!!؟؟
(9)
أختي لَحَظَت ما أنا فِيهِ . . قالَت أتبكي!!حَوَّلتُ رأسي و أنا أخرجُ من الغرفة وأقولُ: لا. تجذبُنِي أُمِّي مِن مِعْصَمِي وتقولُ ماذا حَصَل؟؟أتبكي!!؟؟.
حَوَّلْتُ رأسِي إليها وابتسمتْ ,قُلتُ:لا يا أُمِّي ,لا ابكي . .لا يوجَدُ شئٌ البَتَّه. .
وانطَلَقتُ أمْخِرُ الأرضَ وأخترقُ السراب الحياتِيَّ المنير هناكْ..
وبينما أمشِي مُسْرِعاً ,نَظَرتُ تحتَ قدمَيّ ,ووجدتُ أزهاراً ووروداً صفراءَ اللون.. ابتسمتُ مَرَّةً أخري..
إلا أنَّني نَظَرْتُ ورائها..فوجدتُ بقيةَ الحديقَة وقد أجدبَت ..وظَمِئَت..ورحتُ أقولُ:
غداً . .
تنبثقِينَ عَنِّي أيتها الوردة. .
غداً أنبَثِقُ عَنْكِ..
غَداً أنبَثِقُ عَنِّي..
ونحنُ سننبَثِقُ مَرَّاتٍ ومَرَّات..
قبلَ أن نعودَ إليه..
إلي من انبثقنا عَنْهُ مَرَّاتٍ ومرَّات..
إلي النَّهر...

أكمَلْتُ سيري في ذَاتِ الطَّريق . . دونَ أن أنظُرَ للوردة مرةً أخري . .
وبينما أسيرُ ..خَفَّفتُ خُطَاي ونَظَرتُ أمامي. . .
وَتّذَكَّرْتُكْ.
19/ 7/2011م.
09:10م

السبت، 1 أكتوبر 2011

مات صديقي ...والموتُ حقٌ..


 محمد يحيي بيسلم عليك.
قالها والدي. .وأجبتُهُ."الله يسلمك ويسلمه"..
صمتَ قليلاً . ."ومش هيسلِّم عليك تاني"..ماذاّ؟وقفتُ متعجباً مستغرباً ,وضممتُ عضلاتَ وجهي عابساً"لماذا"..
لأنهُ مات.قالها وهو ينظرُ للأرضِ في سكون..وصحتُ:ماذا!؟مات؟كيف؟و متي؟
اليوم..

ووقفتُ ساكناً فاتحاً فمي.فما كنتُ احسبُ أن الموتَ سيختطفُكَ من بين أيدينا بسرعةٍ هكذا .سرعة لم تتخطَ حاجِزَ العشرينَ عاماً.
كيف مات؟,أسألُ والدي وأنا علي حالي واقفاً ,فاتحاً فمي .
وكانت الفاجعة ,ماتَ غرقاً.
غرقاً!,يا الله.

*****
لم أَكُنْ مقرباً إليكَ جداً ولا أنت كنت مقرباً إلي جداً . .لكنهما قلبانِ كان يحبان بعضهما بعضاً . .وان افترقنا شهوراً.
أذكركَ يا صديقي ونحنُ طفلينِ معاً نلعبُ الكرةَ وتعجبُ لمهارتي في التسديد. .تطلِقُ علي والرفاقَ لقباً ما زلتُ أذكره.
أذهبُ إلي العملِ مع والدي لألعبَ معكَ والرفاق..
تفرقنا وقتاً وعدنا أوقاتاً..
لعبناً معاً..وأكلنا ..وشربنا.وقفنا معاً في أوقاتٍ كثيراتٍ مذ كنا صغاراً نلعبُ الكرة.


اختطفكَ الموجُ من الرفاق. .رفاق الطفولةِ والكرة..
وكنتم تسبحونَ وتمرحون . .ماذا يفعلُ البحرُ بكَ يا صديقي,اختطفكَ علي حينِ غرةٍ سوداءَ من هفواتهِ الماجنة.أوليس يعلمُ أنني أحبهُ في شأوهِ وقوَّتِهْ ,في صلابتهِ وعنفوانه ,في سطوتهِ وتخاذله..

أوليس يعلمُ أنك صديقي !؟مالهُ أوجُنَّ هذا الأبلهُ المأفون.
*****
رحماكَ يا ربي..
رحماك.

*****
ذهبتَ أنت وأنا هنا . .أتألمُ وأتألمُ ,أنت كنت مليئاً بالحياةِ والعنفوان ,وأنا,أنا كنتُ قابعاً منطوياً علي ذاتي أتمني الموت,وهاهو قد جاءني ,متمثلاً فيكَ أنتَ المحب للحياة,ومالهُ لم يأتني؟ألأنني طلبتهُ لا يأتي.ولماذا يأخذكَ أنتَ؟ها.
إنهُ عنفوانِ القدرِ وبخله,يبخلُ أن يطيلَ في عمركَ ساعةً أخري.
لا بل هي مشيئةُ الموتِ القابعِ تحت ركام حياتنا اللاهثة.
إنها مشيئةُ الربِ الحنونِ القادرْ..
ليست مشيئةَ أحدٍ أخر..
وما لي أسبُ القدر.
عذراً . .
مالي حزينُ عليكَ يا فتي..
ابتسمْ
ستعيشُ دهراً أخراً ,مادمتَ قد رميتَ إلي هذهِ الحياة ,فأنتَ حيٌ ولو قتلتكَ الأمواجُ الثائرة.
انهُ الموتُ نعم . .ولا أدري لماذا لا نحبُ الموتَ كما نحبُ الحياة.
عذرا صديقي . . إن أنا أزعجتُكَ بحزني .فما أنتَ إلا حيٌ هناك عند الرب. .يدخلكَ جنتهُ إن شاء الله ..ثاوياً تحتَ شجرةِ رحمتِهِ.
أعلمُ أنكَ لم تكن تصلي . .ويا للحسرة ,تراني ذاهباً للصلاةِ وأنظرُ إليكَ علَّكَ تفهمني.وقد فهمتني لكنها نظرتُكَ الساهمةُ الرانيةُ إلي الأعلى..وأترككَ وأذهبُ أنا متحسراً أنكَ لا تُصَلِّي.
آهٍ يا صديقي.. لو تعلمْ.
*****
ويلي علي والديكَ الحزينانِ..
لو يعلمانْ.
فقط لو يعلمانِ. .أَنَّكَ ما مُتَّ..وأنكَ عائِشٌ.
ويلي علي إخوتِكَ البناتُ اليافعات..من لهمْ..
ويلي علي والدكَ الكبيرْ..
أري لحيتَهُ وقد خالط بياضها بعضاً من سوادٍ يعيد ذكري أيامِ الشباب..
وما الشبابّ؟
أوليس مرحلةً من مراحِلِ الحلمِ الكبير؟
أوليسَ وحياً؟
مثلهُ مثل الكهولةِ والشيبِ والطفولة.
إنها مسمياتٌ فقط.صدقني..مجردُ مسمياتْ.
*****
ربما أنتَ أنا..أو أنا أنتَ..وقد ذهبنا.
أراني وأنت تأتيني بالطعامِ في العملْ ,أيامَ الإجازة . . جميلُ أنتَ في براءتك .. وحبكْ.
ربما كنتُ أنا الذاهبُ المنقطعُ عن الحلمِ الطويلِ الساهمِ في شرودٍ علي أبوابِ حياتنا السائلةِ الممزقة..لكنكَ أنتَ أخذتَ مكاني في رحلةِ الرحيل..
وما أنا وما أنت؟؟
أولستَ إنساناً يحبُ ويعشق.أولستَ تحزنُ وترمي بعينيكَ نحو السماءِ وتقولُ يا رب؟
أوليس الربُ يسمعكَ ويلبي ندائكَ وندائي. .نحنُ..أنتَ ..ونحنُ أنا..أيها الساهمُ البعيد.
جسدكَ قريبُ وأنتَ بعيدٌ هناك . .عندَ الرَّب. .وما أحلي الرَبِ وما أرحمه..إنهُ غفورٌ رحيم.
*****
اذهب يا صديقي وانتظرني هناكَ..علي أبوابِ الحياةِ..هناكَ بعد الموت..لأننا لم نعش لحظةً ولن نعيش لحظةً لأننا في حلم..
قلتُ يوماً:
وما الدنيا سوي حلمٍ نعيشهُ
لنعبر لنعيمٍ أو عذابِ

لهذا كنتُ أتعجل الموتَ الذي هو سرٌ من أسرارِ الحياةِ التي فهمتها قبل الملايينِ غيري من البشر..أو ربما لم أفهمها..و أنا الوحيد,الوحيدُ فقط الذي لم يفهم.
 ولأنني تعجلتُ الحياةَ فقدْ أماتني اللهُ..ولأنكَ استعجلت الموتَ فقد أحياكَ الله.
*****
هنيئاً لك الحياةُ يا رفيق ..
ودمتَ في جوارِ الربِ يحنو عليكَ , وتأكُلُ من ثمارِهِ اليانعةِ . .
 هناكَ في جنتهْ. .

سأدعو الرب لك . .  
عسي ينفعُ دعائي المستكينُ الميتُ. .
روحاً حيةً هناك. .
في سموِّ السماءِ وفوق ضبابِ الأرضِ الجدباءِ..
هناكَ
فوق الملايينِ وتحتَ الملايين..أنت..
فيما لا وجعٍ ولا وجل..
في الانتظار..تخبو وتخبو..في ضياءٍ
أو سناءٍ ..مستعرْ. .
كن رفيقاً وانتظر ..
رفيقكَ المسلوبِ من وجعِ المواتِ المستقر..
انتظرني . .وادعُ لي. .
أن أعيشَ كما تعيش. .
فوق الملايينِ. .وتحتَ الملايين..
فوق النياشين. .
هناكَ. .
عند الرَّبِ . . عَلَّهُ يحنو عليّ ..
وعلِّي آكُلُ من ثمارِهِ اليانِعة..
مثلكَ. .تماماً
12/7/2011م
01:04صباحاً