الجمعة، 7 أكتوبر 2011

الرسالة الثانية:بقايا سنديانه..


توطِئه:
سيدتي الحياة
أحببت نفسي مرتين
حين أدركت الحقيقةَ
 وحين أدركتني
(1)
مساءاً نُذاكِرُ ورفيقٌ لي..
يلوحُ لي طيفَكِ...فأتركَ الكتاب الذي بيدي و أسبحُ , أسبحُ حتى صباح اليوم التالي..
باكياً ملتاعاً , وأنتِ هناكَ بعيدةٌ عني..لا أسطِيْعُ لَكِ طريقاً ولا مسلكاً.أنظُرُ ساهماً في كتابي ,ولا شئَ سوي رتوشٍ مبعثرةَ الأشلاءِ علي صفحاتٍ أضناها طول المُكثِ والبقاء .

(2)
أتذكركِ ويلوحُ طيفكِ دوماً ,أنا في لِجنةِ الامتحانِ منهمكٌ فيما أكتبُ وأتفلسفُ فيهِ علي أستاذي ,أنا مشاكسٌ صعبَ المِراسِ إلا أمامَكِ أنتِ تخورُ كلُّ قواي وأشرعتي تنكفئُ ذاهلةً منهزمة.
لاح طيفُكِ لي .
تركتُ قلمي وتركتُ عقلي معه..وظللتُ أنا وقلبي فقط...خلعتُ نظارتي و أرخيت رأسي ,ووضعت وجهي بين كفيّ ,قليلٌ من التفكيرِ وأضعُ رأسي علي ما يقابلني,وأروحُ أذكرُ صورتكِ التي لم أرها منذ سنتين كاملتينِ أو أكثر,نطقكِ,صوتكِ...
المراقب يأتي ,يهزني وكأني جسدٌ ميتٌ بلا أملٍ أو سرابُ أمل.
يحسبني مريضاً ,ويا الله,وأَيُّ مرضٍ تعرفونَ أنتم!؟؟ ,أنا فقط من يعرفُ المَرَضَ فقد خبرتُهُ .حتي ألِفتُه .
أسكرني وقتلني ,وأخرجني من دنياي..
(3)
القافِلَةُ تسيرُ ,رغمَ كُلِّ شئ ..
النِيلُ يجري . .وتتبعثَرُ الأشلاء .
ويعبُر الماضِي إلي مستقبلٍ . .أو شبحُ مستَقبَلٍ زائِفٍ رُبَّمَا .
لكن الحياةَ تسيرُ رغماً عن كُلِّ ذالك ..
(4)
وما الدُّنيا سُوَيْ حُلُمٍ نَعِيشُهُ
لنعبُرَ لنعِيمٍ أو عَذَابِ . .
السائِقُ يسيرُ بسرعَةٍ جنونية . .وكأنهُ يقودُ قطارَ الحياةِ الذي يسيرُ سريعاً ..سريعاً..ويأتي عندي ويكونُ بطيئاً..
أسندتُ رأسي علي النافذةِ ,التي يتخللُ مِنِّي إليها بعضُ الهواءِ الأرعن.
لافتاتُ علي الطريقْ . .
*****
صديقي توفي .رحل منذُ أيَّامْ..صديقٌ هو مذ كُنَّا طِفلينِ لا نعلَمُ شيئاً عن مِراسِ الحياةِ و شعوائِها .
رحلَ دونَمَا بسمَةٍ أو كلمَةٍ أو رسالة ,أحَبَّ أن يرحَلَ وأن يكونَ حَيَّاً بسكونٍ وصمت . . دونَ كلامٍ أو فلسفات . . دونَ قَلَمٍ أرعنَ أو حُبٍ وثنِيٍ مِثلي .
عاشَ بسيطاً واستيقَظَ بسيطاً ساهِماً. . ببسمَتِهِ الدائمة الحنون..
رَحِمَكَ اللهُ يا صديقي...
عِش كَمَا أردتَ دائِماً بلا أحلامٍ أو خرافات. .فهناكَ الحياةُ وليست هُنا.
(5)
أضحي التنائي بديلاً عن تدانينا
ونابَ عن طِيبِ لُقيانا تجافِينا. .

رحمَ الله ابنَ زيدونْ ,كانَ عاشقاً . .
رحم الله ولاَّدة بنت المستكفي..لقد كانت أنثي. .
(5)
عسي الَّليالي التي أضنت بفرقتنا..
جسمي ,ستجمعني يوماً وتجمعُهُ
يا الله ,رحمكَ الله يا ابن زريق . .
قالت أُمِّي لقد هزلتَ يا ولدي .
وجبةٌ واحِدةٌ في اليومِ لا تكفي لتُقِيمَ عودِك..
(6)
نخلاتٌ ساهِمةُ هناكَ علي الطريقْ .
ترنو إلي السماءِ في برودٍ وغرور...
وتذكرتُكِ أنتِ هناكَ..
كالنخلاتِ السَّامِقاتِ أنتِ في شعورِكِ ومشاعِركْ. .
(7)
النِيْلُ يشعُرُ بي..
وكَيفَ لا؟؟
!!
ألستُ طِفلَهُ الصَّغيرُ المجنون.
!!
أليس والدي الحنون الذي انبثقتُ عَنْهُ رُغماً عَنِّي..وأعودُ إليهِ رُغماً عَنِّي؟؟
!!
(8)
ووصلتُ البيتَ,وكان أبي..مريضاً عَيِيَّاً..
يُصارِعُ المرضَ وينكَأ الحياةَ وتنكأُه,وكأنَّهُ يقولُ سأكمِلُ حُلُمِي الذي أقحمتُ فيهِ بلا إرادتي. .
أوراقُ الخريفِ تَسَّاقَطُ مستعجِمَةً تساقُطها وانهزامِها عن حلمها في آخِرِ فصلها . . التي أقحِمَتْ فِيِهِ دونَ إرادتها.
أبي نَكَأَتْهُ الجِرَاحُ طويلاً..مَرَسَتْهُ الحياةُ ومضغتهُ كثيراً..
ما زالَ واقِفاً. .يحاوِلُ بلورةَ فلسَفَةٍ لَهُ في الحَياةِ ولا يستطيع .
تركها هكذا دون فلسفةٍ أو جموح. . ليس مثلي ,لم يرث عَنِّي صِفاتي...
يُحاوِلُ القِيَامَ ,يَمُدُّ يدهُ ويستندُ علي ما تَبَقَّي من بَقَاياي . الملتاعةُ المنحدرةُ من ثنايا روحي . .وأشلاءِ ذاتي..
تُري . .من سينتَصِرُ مِنَّا !! أنا أو أبي؟؟
من سيلحَقُ بِرِفاقِهِ هناكَ . . حيثُ النَّهرُ الكَبير , من سينتَصِرَ مِنَّا أولاً ليخرُجَ من الجدولِ الذي انبثقَ من هناكَ إلي هُناك!!؟؟
(9)
أختي لَحَظَت ما أنا فِيهِ . . قالَت أتبكي!!حَوَّلتُ رأسي و أنا أخرجُ من الغرفة وأقولُ: لا. تجذبُنِي أُمِّي مِن مِعْصَمِي وتقولُ ماذا حَصَل؟؟أتبكي!!؟؟.
حَوَّلْتُ رأسِي إليها وابتسمتْ ,قُلتُ:لا يا أُمِّي ,لا ابكي . .لا يوجَدُ شئٌ البَتَّه. .
وانطَلَقتُ أمْخِرُ الأرضَ وأخترقُ السراب الحياتِيَّ المنير هناكْ..
وبينما أمشِي مُسْرِعاً ,نَظَرتُ تحتَ قدمَيّ ,ووجدتُ أزهاراً ووروداً صفراءَ اللون.. ابتسمتُ مَرَّةً أخري..
إلا أنَّني نَظَرْتُ ورائها..فوجدتُ بقيةَ الحديقَة وقد أجدبَت ..وظَمِئَت..ورحتُ أقولُ:
غداً . .
تنبثقِينَ عَنِّي أيتها الوردة. .
غداً أنبَثِقُ عَنْكِ..
غَداً أنبَثِقُ عَنِّي..
ونحنُ سننبَثِقُ مَرَّاتٍ ومَرَّات..
قبلَ أن نعودَ إليه..
إلي من انبثقنا عَنْهُ مَرَّاتٍ ومرَّات..
إلي النَّهر...

أكمَلْتُ سيري في ذَاتِ الطَّريق . . دونَ أن أنظُرَ للوردة مرةً أخري . .
وبينما أسيرُ ..خَفَّفتُ خُطَاي ونَظَرتُ أمامي. . .
وَتّذَكَّرْتُكْ.
19/ 7/2011م.
09:10م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق